الذكاء الاصطناعي

إيفو: نموذج لغوي جينومي يبتكر بروتينات جديدة بالكامل عبر الذكاء الاصطناعي

هل يفتح الذكاء الاصطناعي الباب أمام جيل جديد من البروتينات العلاجية؟

حققت أنظمة الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة تقدماً لافتاً في أحد المجالات الجوهرية في علم الأحياء عبر فهم العلاقة بين بنية البروتين ووظيفته.

وشملت هذه الإنجازات القدرة على توقُّع التركيب البنيوي لمعظم البروتينات وتصميم بروتينات لها وظائف مفيدة، غير أن هذه الجهود تركز فقط على البروتينات والأحماض الأمينية المكوِّنة لها.

لكن البيولوجيا لا تبتكر بروتينات جديدة على هذا المستوى، إذ يجب أن تبدأ التغييرات من الأحماض النووية قبل أن تظهر آثارها في البروتينات.

كما أن المعلومات الموجودة في الحمض النووي (DNA) بعيدة عن مستوى البروتينات، لاحتوائها على كثير من المناطق غير الشفّرة، إلى جانب التكرار والمرونة، ولهذا، ليس من البديهي أن يساعد تعلُّم الذكاء الاصطناعي لتنظيم الجينوم في اكتشاف كيفية إنتاج بروتينات وظيفية.

ومع ذلك، يبدو أنَّ تدريب النماذج على جينومات بكتيرية يمكنه تطوير نظام قادر على توقُّع بروتينات، بعضها لا يشبه شيئاً رأيناه من قبل.

evo hie soe web 0

تدريب نموذج جينومي

أجرى العمل الجديد فريق صغير من جامعة ستانفورد، واعتمد على ميزة شائعة في الجينومات البكتيرية، وهي تجمُّع الجينات ذات الوظائف المتقاربة.

فكثيراً ما تمتلك البكتيريا جميع الجينات اللازمة لوظيفة معينة، مثل استيراد سكر ما أو هضمه، أو تصنيع حمض أميني – متجاورة في الجينوم.

وفي حالات كثيرة تُنسخ هذه الجينات في رسالة “RNA” واحدة كبيرة، ما يمنح البكتيريا وسيلة بسيطة للتحكم في مسارات حيوية كاملة دفعة واحدة.

لهذا طوَّر الباحثون ما يسمُّونه “نموذج لغة جينومية” وأطلقوا عليه اسم “Evo”، ودربوه باستخدام مجموعة هائلة من الجينومات البكتيرية.

كان التدريب مشابهاً لتدريب نماذج اللغة، حيث يُطلب من إيفو توقع القاعدة (base) التالية في سلسلة الحمض النووي “DNA”، ويجري مكافأته عند الإصابة.

كما أنه نموذج توليدي قادر على إنتاج سلاسل جديدة استناداً إلى “أوامر” نصية (prompts)، ويمكنه إنتاج نواتج مختلفة من الأمر ذاته.

في السياق نفسه، يرى الباحثون أن هذا الإعداد يسمح لنموذج إيفو بربط الأنماط القاعدية الصغيرة بالسياق الجينومي واسع النطاق.. وبمعنى آخر: عند إعطائه جزءاً كبيراً من الحمض النووي، يستطيع إيفو تفسيره بالطريقة نفسها التي يُفسِّر بها نموذج لغوي استعلاماً معقداً.

وبما أن إيفو تدرب على جينومات بكتيرية، توقَّع الباحثون أنه عند تزويده بجين معروف كنقطة بداية، سيُنتج أجزاء جينية تُشفر بروتينات لها وظائف مرتبطة.. وكان السؤال الأساسي: هل سيعيد فقط إنتاج ما نعرفه؟ أم سيبتكر شيئاً جديداً؟

67b662becb54f14407e5ec0f interp evo 2 min

بروتينات جديدة بالكامل

بدأ الباحثون اختبار النظام عبر تزويده بأجزاء من جينات معروفة، فعندما حصل على 30% من جين بروتين معين، استطاع نموذج إيفو إكمال 85% من بقية الجين.

وعندما قُدم له 80%، أعاد الباقي بالكامل. وحتى عند حذف جين واحد من مجموعة وظيفية كاملة، استطاع النموذج تحديد الجين المفقود واستعادته بدقة.

كما نجح النموذج -بفضل كمِّ البيانات الكبير- في تحديد أكثر المناطق الحيوية داخل البروتينات؛ فإذا غيَّر شيئاً، كان التغيير غالباً في أماكن يُسمح فيها بالتباين وفق قواعد تطور الجينات.

بعد ذلك، اختبر الفريق قدرة النموذج على توليد شيء جديد تماماً.. فاختاروا سُمَّاً بكتيرياً له مضاد سم (antitoxin) طبيعي عادة، لكنهم استخدموا نسخة معدلَّة ليست لها أي مضادات سم معروفة.

وبعد إدخال تسلسل هذا السم إلى إيفو، قام الباحثون بتصفية المخرجات لاستبعاد أي شيء مشابه للبروتينات المعروفة.

كما اختبر الفريق 10 نواتج مولَّدة، فكانت نصفها قادرة على تقليل سُمِّية السم، وأعاد اثنان منها نمو البكتيريا بشكل كامل.

كانت نسبة التشابه مع مضادات السموم المعروفة ضعيفة جداً (25%)، كما أنها لم تتكوَّن من لصق أجزاء معروفة، بل جاءت مُركَّبة من 15–20 بروتيناً مختلفاً كحدٍّ أدنى.

كما استطاع إيفو أيضاً إنتاج حمض نووي يُشفِّر حمض “RNA” منظم البنية عند التعامل مع سُمٌّ معتمد على “RNA”، على الرغم من عدم تشابه السلسلة مع أي شيء معروف.

GettyImages 2216287507 2048x1152 1

ابتكار بروتينات لا مثيل لها

طبَّق الفريق اختباراً آخر على مثبطات نظام كريسبر “CRISPR” المستخدمة في تعديل الجينات، والتي تمتاز بتنوُّع كبير طبيعياً.

وبعد تصفية النواتج لاستبعاد السلاسل المعروفة، وجدوا أنَّ 17% من البروتينات المنتجة قادرة على تعطيل نظام كريسبر.

كان اثنان منها فريدين بالكامل ولا يتشابهان مع أي بروتين معروف، حتى أنَّ خوارزميات توقُّع البنى ثلاثية الأبعاد لم تستطع فهم شكليهما، ما يشير إلى أن إيفو قادرٌ على توليد بروتينات وظيفية بالكامل لها بنى غير معهودة في الطبيعة.

وبعد إثبات نجاح الأسلوب، قام الباحثون بتجربة أكثر توسعاً: إذ استخدموا 1.7 مليون جين من البكتيريا والفيروسات المرتبطة بها لإنتاج 120 مليار زوج قاعدي من حمض “DNA” المولَّد، إذ يضمّ هذا الكم الهائل جينات معروفة وأخرى قد تكون جديدة تماماً.

hc press evo2 nim 25 featured b

هل يمكن توسيع الفكرة؟

لا يتضح بعد ما إذا كان الأسلوب سيعمل مع جينومات أكثر تعقيداً، مثل جينوم الإنسان، إذ لا تتجمع الجينات لدينا بحسب الوظيفة، كما أن بنيتها معقدة للغاية.. كما أنَّ هذا النهج يعالج مشكلة مختلفة عن تصميم البروتينات الموجَّهة مثل إنزيمات تفكيك البلاستيك.

ومع ذلك، فإن نجاح هذه الطريقة مذهل بحد ذاته، لأنها تعيد عمليات الابتكار التطوري إلى مستوى الحمض النووي، حيث تبدأ  عملية خلق البروتينات الجديدة.

 

المصادر:

Arstechnica

Stanford

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى