هواوي والعقوبات: كيف تصنع طريقها نحو النجاح؟

في عالم سريع التغير، حيث تتقاطع التكنولوجيا مع السياسة، برزت شركة “هواوي” كأحد الأبطال المثيرين للجدل في صناعة التكنولوجيا العالمية. لكن منذ عام 2019، ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية، أصبح اسم الشركة مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالعقوبات الاقتصادية والتجارية التي فرضتها عليها بعض الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة. رغم هذا، لم تتوقف “هواوي” عن السعي نحو النجاح، بل يبدو أن هذه العقوبات كانت بمثابة الوقود الذي دفعها للابتكار والنمو في مسارات جديدة. فما الذي يجعل هذه الشركة قادرة على التكيف والنمو رغم الظروف الصعبة؟

البداية: قصة إبداعية مستمرة
شركة هواوي هي شركة صينية متعددة الجنسيات تأسست في عام 1987 على يد “رن زيهونغ” في مدينة شنتشن الصينية. في البداية، بدأت الشركة كمزود لحلول الشبكات والاتصالات، ولكنها سرعان ما توسعت لتصبح من بين أبرز الشركات المصنعة للتكنولوجيا في العالم، حيث دخلت في مجالات الهواتف الذكية، الأجهزة اللوحية، والحلول المتكاملة للاتصالات. حققت الشركة نجاحات كبيرة في مجال تطوير الهواتف الذكية والابتكارات التقنية، حتى أصبحت في طليعة الشركات التي تسهم في تقدم شبكة الجيل الخامس (5G).
نظام تشغيل هواوي ومتجرها
نظام التشغيل “هارموني أو إس” (HarmonyOS) هو النظام الخاص بشركة هواوي، الذي تم تطويره لتعويض غياب أندرويد في هواتفها بعد العقوبات الأمريكية. يهدف HarmonyOS إلى توفير تجربة موحدة عبر مختلف الأجهزة الذكية مثل الهواتف والأجهزة اللوحية والتلفزيونات، مع التركيز على الأداء السريع والتفاعل بين الأجهزة. أما متجر هواوي “AppGallery”، فقد تم تطويره ليكون بديلاً لمتجر جوجل بلاي بعد الحظر، ويضم مجموعة واسعة من التطبيقات في مختلف المجالات، مما يعزز من استراتيجية الشركة لتقديم تجربة متكاملة عبر أنظمتها البيئية.
العقوبات: التحدي الأكبر
منذ عام 2018، مارست الإدارات الأمريكية المتعاقبة مجموعة من السياسات لمعاقبة هواوي باعتبارها تهديداً للأمن القومي. داخل الولايات المتحدة، حذرت الشرطة الفيدرالية من شراء هواتف هواوي، مستشهدة بقدرتها على تسهيل “التجسس غير المكتشف”. ورغم أن معدات الشركات الصينية كانت محظورة فعلياً منذ 2012 في البنية التحتية اللاسلكية والثابتة الرئيسية بالولايات المتحدة، خصصت لجنة الاتصالات الفيدرالية أكثر من 5 مليارات دولار لاستبدال المعدات الصينية.
لكن هذه الأموال لم تُستخدم فعلياً، حيث لم تكن هناك معدات كثيرة لاستبدالها. خارج الحدود الأمريكية، أنفقت الحكومة الأمريكية رأس مال سياسي كبير لإقناع دول ثالثة بعدم استخدام معدات الجيل الخامس من الصين، قبل أن تحول تركيزها على دخول سوق الجيل الخامس الخاص بها.
في عام 2019، بدأ عهد جديد من التحديات بالنسبة لشركة “هواوي”. إذ فرضت الولايات المتحدة عقوبات شديدة عليها، مشيرة إلى مخاوف أمنية متعلقة بعلاقاتها المزعومة مع الحكومة الصينية. تم وضع “هواوي” في قائمة الكيانات الممنوعة من التعامل مع الشركات الأمريكية، مما أثر بشكل كبير على قدرتها على استخدام العديد من التقنيات الأمريكية الأساسية في منتجاتها، مثل نظام التشغيل “أندرويد” والخدمات السحابية التي تقدمها شركات مثل “جوجل” و”مايكروسوفت”.
في البداية، كانت هذه العقوبات بمثابة صدمة لهواوي، لكن الشركة لم تقف مكتوفة الأيدي. بدلاً من ذلك، بدأت في اتخاذ خطوات استراتيجية لضمان استمراريتها.
استراتيجيات الصمود: التركيز على قطاع البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT)
رغم الضغوط الهائلة التي فرضتها العقوبات الأمريكية، بقيت هواوي متماسكة بفضل اعتمادها الكبير على قطاع البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT). يُعتبر هذا القطاع حجر الزاوية في أعمالها، حيث يوفر حلولًا مبتكرة للاتصالات السلكية واللاسلكية، بالإضافة إلى تطوير شبكات الجيل الخامس (5G). يشكل هذا القطاع مصدرًا رئيسيًا للإيرادات، خاصة أن بناء الشبكات وصيانتها يتطلب شراكات طويلة الأمد، مما يجعل الشركات أقل ميلًا للتخلي عن هواوي كشريك رئيسي. علاوة على ذلك، استطاعت هواوي الحفاظ على موقعها الريادي في هذا القطاع من خلال تقديم حلول ذات جودة عالية وتقنيات متقدمة، حتى في ظل محاولات الشركات المنافسة كإريكسون ونوكيا للاستفادة من العقوبات.
تنويع الأعمال: الاستثمار في الحوسبة السحابية، الذكاء الاصطناعي، وحلول السيارات الذكية
في مواجهة الأزمات، لجأت هواوي إلى استراتيجية تنويع أعمالها لتقليل الاعتماد على الهواتف الذكية التي تأثرت بشدة. اتجهت إلى قطاعات ناشئة مثل الحوسبة السحابية، التي أصبحت من أهم المجالات في العصر الرقمي، حيث تقدم خدمات فعالة للشركات والأفراد على حد سواء. بالإضافة إلى ذلك، استثمرت هواوي في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل منصات تحليل البيانات والحلول الذكية، مما عزز موقعها في الأسواق المتقدمة.
التركيز على صناعة السيارات الذكية: رهان استراتيجي جديد لهواوي
في مواجهة التحديات التي فرضتها العقوبات الأمريكية على أعمالها الأساسية مثل الهواتف الذكية، قررت هواوي توجيه استثماراتها نحو قطاع السيارات الذكية، معتبرةً إياه فرصة استراتيجية لتعزيز نموها وتوسيع مصادر دخلها. أدركت هواوي أن قطاع السيارات يشهد تحولاً جذريًا نحو الاعتماد على التقنيات الذكية، مثل القيادة الذاتية، وإنترنت الأشياء (IoT)، والاتصال بين المركبات (V2X). واستثمرت الشركة بشكل كبير في تطوير حلول مبتكرة تُحدث فرقًا في هذا المجال.
القيادة الذاتية: تقنية المستقبل
أحد أبرز إنجازات هواوي في مجال السيارات الذكية هو تطوير أنظمة متقدمة لدعم القيادة الذاتية. تعتمد هذه الأنظمة على خوارزميات ذكاء اصطناعي متطورة وأجهزة استشعار دقيقة، تُمكّن السيارات من تحليل البيئات المحيطة بها واتخاذ قرارات آنية تضمن سلامة الركاب والمشاة. تتيح هذه الحلول للشركات المصنعة للسيارات دمج تقنيات القيادة الذاتية دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة في البحث والتطوير، مما يجعل منتجات هواوي جذابة للشركاء العالميين.

الشراكات مع كبرى شركات السيارات
لضمان نجاحها في هذا القطاع، دخلت هواوي في شراكات استراتيجية مع كبرى شركات صناعة السيارات العالمية والمحلية. ساعدت هذه الشراكات في دمج تقنيات هواوي الذكية ضمن السيارات الحديثة، مما عزز مكانتها كشريك موثوق في صناعة السيارات. على سبيل المثال، تعاونت هواوي مع شركات صينية بارزة مثل BYD وChangan لتطوير سيارات كهربائية مزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي والقيادة الذاتية. كما أثبتت تقنياتها قوتها في الأسواق الأوروبية، حيث تم تبني حلول الاتصال الذكية الخاصة بها من قبل شركات عالمية تسعى لتحسين منتجاتها.
زيادة الإنفاق على البحث والتطوير لضمان الابتكار
أدركت هواوي مبكرًا أن الابتكار هو السبيل الوحيد للحفاظ على المنافسة في سوق التكنولوجيا المتغير. لذلك، قامت بزيادة ميزانية البحث والتطوير بشكل كبير حتى خلال فترات الركود. ونتيجة لهذا الاستثمار، طورت الشركة بدائل مكونات محلية الصنع لتقليل اعتمادها على الموردين الأمريكيين. كما ركزت على تطوير أنظمة تشغيل مثل HarmonyOS، والتي تعتبر بديلاً لنظام أندرويد. هذا النهج ساعدها في بناء نظام بيئي مستقل يخدم أجهزتها ومنتجاتها المختلفة. إضافةً إلى ذلك، شمل البحث والتطوير مجالات متقدمة مثل الرقائق الإلكترونية والاتصالات الكمية (Quantum Communications)، مما مكّن الشركة من الحفاظ على تنافسيتها وتحقيق استقرار طويل الأمد.
بفضل هذه الاستراتيجيات، تمكنت هواوي من مقاومة آثار العقوبات واستعادة جزء كبير من قوتها في الأسواق المحلية والدولية.
التنوع: التوسع في أسواق جديدة
منذ فرض العقوبات، سعت “هواوي” إلى إعادة ترتيب أولوياتها في أسواقها العالمية. على الرغم من تراجع مبيعاتها في بعض الأسواق الغربية، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، إلا أن هواوي وجدت فرصًا كبيرة في الأسواق
المصادر :
مصدر 1 , مصدر 2 , مصدر 3 , مصدر 4 , مصدر 5 , مصدر 6