مقالات

اقتصادياً .. هل الذكاء الاصطناعي مجرد طفرة تشبه “فقاعة الدوت كوم”؟

من أوجه التشابه بين الظاهرتين التقييمات المرتفعة والحماسة المفرطة

حذر تقرير جديد من “التوهج” الحالي الذي يشهده قطاع التكنولوجيا لاسيما الذكاء الاصطناعي و الصناعات المرتبطة به، منبهاً إلى أوجه تشابه مقلقة بين “طفرة الذكاء الاصطناعي” الحالية و”فقاعة الدوت كوم” التي شهدتها تسعينات القرن الماضي.

وتحت عنوان “هل طفرة الذكاء الاصطناعي اليوم أكبر من فقاعة الدوت كوم؟”، نبه التقرير الذي أعدته وكالة رويترز من تأثير التركيز الكبير في سوق الأسهم الأمريكية على قطاع التكنولوجيا والذي بلغ مستويات غير مسبوقة، متجاوزاً الحدود التي وصلت إليها “فقاعة الدوت كوم” في حقبة التسعينات.

وذكر التقرير أن هذا التركيز المتزايد يعيد إلى الأذهان ما وصفه بـ “جنون الإنترنت والاتصالات” الذي شهدته التسعينات وانهيار مؤشر ناسداك الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا بعد أن بلغ ذروته في مارس 2000.

IMI85 Top 5 market cap SP

ماذا جرى سابقاً في أزمة فقاعة الدوت كوم؟

“Dot com Bubble” هي أزمة اقتصادية وقعت بين عامي 1995 و2001، وارتبطت بالانتشار الواسع للإنترنت واندفاع المستثمرين نحو شركات التكنولوجيا، خاصة تلك التي تعمل عبر الإنترنت وتنتهي أسماؤها بـ”.com”.

خلال تلك الفترة، ضُخّت أموال طائلة في شركات ناشئة تفتقر إلى نماذج عمل واضحة أو أرباح فعلية، حيث عملت بناء على وعود مستقبلية فقط، وساد الاعتقاد في حينه أن الإنترنت سيُحدث تحولاً دراماتيكياً وسريعاً، ما أدى إلى تقييمات مبالغ فيها لتلك الشركات.

ساهمت عوامل عدة في تضخيم الفقاعة، منها الحماس المفرط للتكنولوجيا، سهولة الحصول على التمويل الاستثماري، التضخيم الإعلامي، وموجة الاكتتابات العامة لشركات غير رابحة، إضافة إلى سلوك جمعيّ بين المستثمرين.

في عام 2000، بدأ السوق يفقد ثقته في هذه التوقعات، فاندلعت موجة بيع واسعة أدت إلى انهيار مؤشر ناسداك بنسبة 65% خلال عام، وإفلاس آلاف الشركات الناشئة، وخسارة المستثمرين مليارات الدولارات، ولم يتمكن من العودة إلى مستوياته السابقة إلا بعد 14 عاماً.

رغم ذلك، نجت بعض الشركات مثل أمازون وجوجل، وأصبحت لاحقاً من أعمدة الاقتصاد الرقمي العالمي.

ماهي أوجه التشابه بين “طفرة الذكاء الاصطناعي” و “فقاعة الدوت كوم”؟

وجد التقرير أوجه تشابه مقلقة بين ما تشهده الأسواق اليوم مقارنة بما جرى سابقاً، رغم أن آلية تفاعل السوق اليوم تبدو مختلفة متسائلاً: هل التاريخ على وشك أن يعيد نفسه؟

ومن أوجه التشابه التي كشفها التقرير:

1- تركيز غير مسبوق للشركات التكنولوجية

يشكل قطاع التكنولوجيا حالياً نحو 34% من القيمة السوقية لمؤشر “S&P 500” متجاوزاً الرقم القياسي السابق البالغ 33% الذي سُجّل خلال قمة فقاعة الدوت كوم عام 2000.

ومؤشر “S&P 500” يتكون من 500 شركة كبرى مدرجة في البورصات الأميركية (مثل بورصة نيويورك وناسداك)، يتم اختيارها بناءً على حجمها السوقي، سيولتها، وأهميتها في السوق، وهو مهم لأنه يعكس صحة الاقتصاد الأميركي.

ولفت التقرير إلى أن من بين أكبر 10 شركات في العالم، يوجد 8 شركات تنتمي لقطاع الاتصالات والتكنولوجيا ما يعكس تركيزاً أكثر حدة مقارنة بفترة أواخر التسعينات حيث كان هناك خمس شركات تقنية فقط بين العشرة الأوائل.

والشركات الرائدة حالياً هي ما يسمى بـ “السبعة الرائعة” : ( آبل، أمازون، ألفابت “جوجل”، ميتا ، مايكروسوفت، إنفيديا، وتيسلا )، إضافة إلى “بيركشاير هاثاواي” و”جي بي مورغان”.

بصمة هذه الشركات اليوم هي أكبر بكثير مما كانت عليه سابقاً، إذ تبلغ القيمة السوقية المجمعة لها قرابة 22 تريليون دولار، أي نحو 40٪ من إجمالي المؤشر، مقارنة بـ25٪ فقط في عام 1999.

ويعكس ذلك حقيقة أن التكنولوجيا أصبحت تلعب دوراً أكبر بكثير في الاقتصاد الأميركي اليوم مما كانت عليه عند مطلع الألفية.

2GtBeA8BWApHYgXH5HYBpn 1024 80.jpg
2- تقييمات سوق مرتفعة

أشار التقرير إلى أن أسهم التكنولوجيا الكبرى يتم تداولها عند مضاعف أرباح متوقع يبلغ 29.5 ضعفاً، وهو مستوى مرتفع تاريخياً وإن كان أقل من ذروة فقاعة الدوت كوم التي شهدت تداولاً بـ 50 ضعفاً.

3- فجوة في الاستثمارات الهائلة بالبنية التحتية

توقع التقرير أن يتطلب الذكاء الاصطناعي التوليدي استثمارات في مراكز البيانات بحجم 2.9 تريليون دولار بحلول 2028، تشمل تطوير البنية التحتية والشرائح والخوادم.

وبيَّن أن هذا المستوى من الإنفاق يضاهي تقريباً 900 مليار دولار سنوياً، مقارنة بـ950 مليار إجمالي الإنفاق الرأسمالي لشركات S&P 500 في العام الماضي.

4- احتمالية حدوث تصحيح كبير

نبه التقرير من وقوع تصحيح سوقي كبير وطويل الأمد في حال لم تتحقق الفوائد المتوقعة من الذكاء الاصطناعي بالسرعة المطلوبة، مذكراً أن هذا بالضبط ما جرى سابقاً وأدى إلى الانهيار الذي أعقب فقاعة الدوت كوم.

5- توفر عناصر الفقاعة: الحماسة المفرطة والتوقعات المبالغ فيها

رغم وجود فروق بين الفترتين، يلمس التقرير وجود تشابه واضح في الحماس المفرط والثقة والرهان على المستقبل، ما يسبب عدم توازن بين التقييمات والواقع الاقتصادي الفعلي.

و يعتبر التقرير أن هذا النوع من التفكير المفرط في الثقة هو بالضبط “ما أوقع المستثمرين في المشاكل من قبل”.

المصادر
Reuters
Investopedia
Tradingview

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى