Google Veo 3: عندما يتظاهر البشر أنهم مِن صُنع الذكاء الاصطناعي!
لو لم يكن عنوان الفيديو يوحي بأنه من إنتاج Google Veo 3، لربما مرر الجميع عنه دون انتباه

منذ إطلاق Google نموذج Veo 3 للذكاء الاصطناعي الأسبوع الماضي، امتلأت منصات التواصل الاجتماعي، وبالأخص TikTok، بفيديوهات قصيرة لا تتجاوز ثمانِ ثوانٍ، تبدو واقعية بشكل مذهل، وتحتوي على صوت وحوارات متزامنة مع حركة الشفاه.. من تحديات غير ممكنة، إلى تقارير أخبار زائفة، وصولاً إلى أفلام قصيرة سريالية؛ أصبحت فيديوهات Google Veo 3 من أكثر المحتويات رواجاً على مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن المفاجأة الحقيقية لم تكن في الفيديوهات المُنتَجَة بالذكاء الاصطناعي، بل في اتجاه مضاد بدأ يظهر بوضوح على تيك توك: مقاطع لأشخاصٍ حقيقيين يتظاهرون بأنهم مجرد فيديوهات تم إنشاؤها بواسطة Veo 3!
“هذا لا يمكن أن يكون حقيقيًا.. لا بد أنه ذكاء اصطناعي!”
اكتُشف هذا الاتجاه عندما ظهر مقطع على تيك توك مع تعليق كبير يقول:
“Google VEO 3 – هذا الفيديو 100% ذكاء اصطناعي”.
بدا أن الفيديو يعرض فرقة موسيقية تعزف في زاوية مزدحمة من غرفة معيشة، مصحوباً بوصف يزعم أن الذكاء الاصطناعي أنشأه باستخدام الأمر التالي:
“فرقة من الإخوة بلحى يعزفون موسيقى روك في توقيع 6/8 بإضافة آلة الأكورديون.”
في البداية، بدا الفيديو مُقنِعاً، لكن بعد التحديق لثوانٍ، بدأ شيء ما يبدو “حقيقياً أكثر من اللازم”، وبعد مزيد من البحث، اكتُشف أن الفيديو من فرقة Kongos الشهيرة بأغنيتها “Come With Me Now” عام 2012.
ببساطة، الفيديو قديم والفرقة تظاهرت بأنه منتج بالذكاء الاصطناعي فقط لجذب الانتباه.
الحقيقة المُرَّة: الحيلة نجحت!
لو لم يكن عنوان الفيديو يوحي بأنه من إنتاج Google Veo 3، لربما مرر الجميع عنه دون انتباه، لكنها نجحت في جعل الكثيرين يتوقفون للاستماع للأغنية لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات!
لماذا يتظاهر الفنانون بأنهم ذكاء اصطناعي؟
يعرف الجميع مدى صعوبة جذب الانتباه على تيك توك، خاصةً مع خوارزميات تُعاقبك إذا لم تتفاعل بسرعة، ومع صعود تقنية Veo 3، أصبح التظاهر بأنك محتوى ذكاء اصطناعي وسيلة جديدة لجذب المشاهدين.
ولكن، من وجهة نظر أخلاقية، هناك شيء مقلق في أن يتخلَّى الفنان الحقيقي عن هويته ليظهر كمجرد نتيجة لأمر برمجي.
هل نحن مجرَّد أوامر نصية؟
من بين أغرب وأعمق النكات، المنتشرة حاليًا على تيك توك، ظاهرةٌ تُعرف باسم نظرية البِرُومبت – Prompt Theory، والتي تسخر من فكرة أن الشخصيات الظاهرة في الفيديوهات ليست سوى استجابات لأوامر نصية.
وبينما يُعبِّر البعض عن الرعب أو الحيرة من هذه الفكرة داخل فيديوهات Veo 3، يقوم بشر حقيقيون بإنتاج فيديوهات تهكمية عن كونهم مجرَّد أوامر نصية أيضاً.
مثلًا، صانع المحتوى RedondoKid نشر فيديو لكرة سلة قائلاً:
“بالطبع سأصيب الهدف، هذا فيديو AI وقد تم وضع ذلك في البرومبت.”
وآخر شَكَر “من أنشأه بالبرومبت” لأنه وضعه في عالم به طعام لذيذ قبل أن يختنق بقطعة لحم.
مزيد من التجارب: أي من هذه المقاطع حقيقي؟
الأسلوب الأكثر ذكاءً لجذب التفاعل كان عبر تحديات من نوع “أي من هذه الفيديوهات حقيقية وأيها من Veo 3؟”.
فمثلاً، فيديو مشهور يعرض أربعة مشاهد لفتيات “غوث”، ويطلب من المشاهدين أن يخمنوا أي واحدة حقيقية، وفيديو آخر يعرض لقطتين لمجموعة من المراهقين داخل سيارات، مع سؤال بسيط: “هل يمكنك تمييز المشهد الحقيقي من مشهد Veo 3؟”
وهنا تكمن المفارقة: رغم مشاهدة تلك المقاطع مرات عديدة، يظل المستخدمون غير متأكدين بنسبة 100%، وهذا بحد ذاته دليل قوي على مدى واقعية وقدرة Google Veo 3 على خداعنا بصرياً.
كيف تميز بين فيديو Veo والفيديو الحقيقي؟
رغم واقعية المُخرجات، لا تزال هناك علامات فارقة تساعدك في التمييز:
- المدة الزمنية: فيديوهات Veo 3 لا تتجاوز 8 ثوانٍ.
- أسلوب الإضاءة: غالباً ما تكون الإضاءة زائدة وغير طبيعية.
- حركة الكاميرا: سلسة بشكل مبالغ فيه.
- الحواف والأجسام: تظهر مصقولة ولامعة أكثر من اللازم.
- تاريخ الحساب: إذا كان الشخص يظهر في فيديوهات عادية قبل أسبوعين، من غير المنطقي أن يتحول فجأة إلى شخصية ذكاء اصطناعي.
ما الذي يعنيه كل هذا؟
لقد بدأنا عصر “الشك الرقمي” رسميًا، إذ لا نعيش فقط في عصر يتم فيه تزييف المحتوى، بل أصبح من السهل على أي شخص الادعاء بأن ما نراه ليس حقيقياً، وهو ما يعرف في علم السياسة تحت اسم “أرباح الكاذب – Liar’s Dividend”، أي أن وجود تكنولوجيا التزييف يجعل إنكار الحقيقة أسهل بكثير.
لدرجة أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه اتهم صوراً حقيقية لحشد انتخابي لكامالا هاريس بأنها “من إنتاج الذكاء الاصطناعي”.
وفي حين أن مستخدمي TikTok اليوم يلعبون بهذه الفكرة لمجرد الترفيه أو جذب التفاعل، فإن التأثير طويل المدى على قدرتنا في التمييز بين الحقيقة والخيال سيكون أكبر بكثير مما نتوقع.
المصادر: