الصين تغيّر قواعد التعليم التقني: هل انتهى عصر الأطروحات الطويلة؟
الدكتوراه بمنتج عملي بدل الأطروحة

في إطار ما يُعرف بـ“حرب التكنولوجيا” مع الولايات المتحدة، أطلقت الصين تحولاً غير مسبوق في نظام التعليم العالي التقني، حيث أصبح بإمكان طلاب الدكتوراه التخرج عبر تقديم منتج عملي أو تصميم تقني بدلاً من الأطروحة الأكاديمية التقليدية، وذلك بهدف تسريع الابتكار وربط البحث العلمي مباشرة بالصناعة والدفاع.
ويُعد معهد هاربين للتكنولوجيا (HIT)، أكبر مؤسسة أكاديمية دفاعية في الصين، السبّاق في تطبيق هذا النموذج الجديد.
من النظرية إلى التطبيق
وذكرت صحف صينية أن العمل العلمي في الصين لم يعد يقتصر على النشر في مجلات مرموقة أو الدفاع عن أطروحة من مئة صفحة، بل أصبح يشمل حل مشكلات واقعية وبناء حلول ناجعة، خاصة مع بقاء مستقبل التكنولوجيا الوطنية على المحك.
وأشارت إلى أن معهد هاربين للتكنولوجيا، المصنف ضمن “أبناء الدفاع الوطني السبعة” لمساهماته في أبحاث وتكنولوجيا الدفاع، يدرس برنامجاً تجريبياً يسمح لطلاب الدكتوراه بالتخرج عبر منتج أو تصميم بدلاً من الأطروحة، في محاولة لحل ما يُعرف بـ”مشكلات الهندسة المعقدة” وسط السباق التكنولوجي مع الولايات المتحدة.
ويستكشف المعهد مناهج جديدة لرعاية المهندسين، تشمل إلغاء الأوراق الأكاديمية التقليدية كشرط إلزامي للحصول على الدرجة العلمية.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أصبح وي ليانفينغ، وهو طالب هندسة تحول إلى مرشح للدكتوراه، أول طالب في الجامعة ينجح في اجتياز المناقشة الشفوية ويحصل على شهادته بناءً على النتائج العملية فقط، دون الحاجة إلى أطروحة مكتوبة.
وتركز بحثه على تطوير عمليات اللحام بالليزر الفراغي وتصميم وتصنيع المعدات المرتبطة بها، وتم تقييم عمله عبر لجنة من خبراء الصناعة، ما يعكس انتقالاً من معايير أكاديمية تقليدية إلى معايير قائمة على المنفعة العملية والابتكار الصناعي.
خلفية البرنامج التجريبي
تعمل الصين منذ عام 2022 بهدوء على برنامج وطني لإعادة تصور التعليم الهندسي من الصفر، بدعم من وزارة التعليم وثماني هيئات رئيسية أخرى.
يستهدف البرنامج مجالات استراتيجية مثل أشباه الموصلات، الحوسبة الكمومية، والتصنيع المتقدم، في محاولة لكسر “الحصار التكنولوجي” الذي تفرضه الولايات المتحدة، حيث لم تعد المعرفة النظرية وحدها كافية لمواجهة التحديات.
وتأتي هذه الخطوة وسط سباق عالمي متزايد للتقدم في مجال الابتكار العلمي والتقني، لكنها قد تفتح باباً واسعاً للنقاش في الأوساط الأكاديمية والتقنية حول مستقبل التعليم العالي ومعايير وقواعد البحث العلمي.
يرى البعض أنها قد تهدد بإضعاف البحث الأساسي الذي يبني المعرفة طويلة الأمد، بينما يعتبرها آخرون فرصة لخلق جيل جديد من الباحثين يجمع بين العمق الأكاديمي والابتكار التطبيقي الذي يعود بمنفعة مباشرة على المجتمعات والدول.
وفي حال أثبتت التجربة نجاحها، قد تلهم جامعات أخرى حول العالم لاعتماد نماذج مشابهة، خصوصاً في التخصصات الهندسية والتقنية.

نبذة عن معهد هاربين للتكنولوجيا (HIT)
تأسس معهد هاربين للتكنولوجيا (HIT) عام 1920، ويضم أكثر من 25 ألف طالب بكالوريوس و13 ألف طالب دراسات عليا، وله فروع في شينزن وويهاي، ما يجعله مؤسسة متعددة المواقع تخدم مختلف المناطق الصناعية في الصين.
واشتهر المعهد بإنجازاته في تأسيس أول كلية فضاء صينية والمساهمة في تطوير الأقمار الصناعية والروبوتات الصناعية وتقنيات اللحام بالليزر، إضافة إلى ريادته في مجالات أشباه الموصلات والحوسبة الكمومية والذكاء الاصطناعي.
وبفضل مكانته المتقدمة في التصنيفات الدولية، يُنظر إليه كأحد أعمدة الصين في سباق التكنولوجيا مع الولايات المتحدة، حيث يمزج بين التعليم الأكاديمي والبحث التطبيقي والدفاع.
المصادر
ساوث تشاينا مورنينج بوست
تشاينا ساينس ديلي
ويكيبيديا




