التغطياتالذكاء الاصطناعيمقالات

هل ربحت شركات الذكاء الاصطناعي معركتها ضد الكُتّاب؟

ميتا وأنثروبيك دافعتا عن تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي باعتباره "استخدامًا عادلاً"

 

شهد الأسبوع الماضي صدور حكمين قضائيين قد يبدو في ظاهرهما نصراً كبيراً لشركتي ذكاء اصطناعي عملاقتين، لكن الواقع أكثر تعقيداً بكثير مما يبدو، والقانون الأمريكي للملكية الفكرية لم يشهد هذا القدر من الإثارة منذ جلسة الاستماع الشهيرة الشهر الماضي في مكتبة الكونجرس.

 

حكم قضائي لصالح أنثروبيك

أصدر القاضي “ويليام ألسوب” حكماً لصالح شركة أنثروبيك، اعتبر فيه أن تدريب نموذجها على مجموعة من الكتب الأدبية يندرج ضمن الاستخدام العادل، وفي حكم آخر، رفض القاضي “فينس تشابريا” دعوى رفعتها مجموعة من الكُتَّاب ضد ميتا بتهمة استخدام كتبهم لتدريب نموذجها، ومع ذلك، لم تحل هذه الأحكام أيّاً من التعقيدات القانونية المحيطة بمجال الذكاء الاصطناعي، بل زادته غموضاً.

 

انتصارات جزئية مليئة بالتحذيرات

رغم أن الحكمين شكَّلا “انتصاراً تقنياً”، فإنهما حملا في طيَّاتهما انتقادات واضحة:

  • انتقد القاضي “ألسوب” اعتماد أنثروبيك على مواد مقرصنة، ما يفتح الباب أمام مطالبات بتعويضات مالية ضخمة.

  • أكد القاضي “تشابريا” أن إنتاج كميات ضخمة من المحتوى بواسطة الذكاء الاصطناعي يمكن أن يضر السوق الإبداعي البشري، ويضع مجال الذكاء الاصطناعي برمته في موضع تعارض مع الاستخدام العادل، رغم رفضه دعوى الكُتَّاب ضد ميتا.

 

 

القضية في جوهرها: الكتب المقرصنة

اعتمدت الشركتان على مكتبات مقرصنة تضم أعمالاً أدبية محمية بحقوق النشر، لتدريب نماذجها الكبرى مثل Claude من أنثروبيك وLLaMA من ميتا.. لاحقاً، تراجعت أنثروبيك وبدأت بشراء نسخ ورقية من الكتب، وتمزيق أغلفتها ومسحها ضوئياً لتفادي القيود الرقمية.

رأى المدَّعون أن عملية التدريب نفسها -سواء استُخدمت فيها كتب مقرصنة أو لا- تُعد انتهاكاً لحقوق النشر، أما الشركات، فتمسكت بالدفاع الشهير: “الاستخدام العادل”.

 

لماذا ربحوا القضية؟

اتفق القاضيان على نقطة محورية: تدريب النماذج اللغوية يُعد “تحويلياً” بدرجة كافية، أي أنه يحوِّل المادة الأصلية إلى شيء جديد يخدم غرضاً مختلفاً.. كما أشارا إلى أن تأثير هذا التدريب على سوق الكتب لم يكن ملموساً بشكل يبرر الإدانة.

لكن القاضي “تشابريا” شدد أن حكمه لا يعني أن استخدام ميتا للمواد المحمية قانوني، بل أن المدَّعين ببساطة لم يعرضوا حججاً قوية بالشكل الصحيح.. وقال صراحة:

هذا الحكم لا يعني أن تدريب ميتا على مواد محمية قانوني، بل يعني فقط أن هؤلاء الكُتَّاب لم يعرضوا القضية بالشكل المناسب.

 

 ماذا عن المحتوى الناتج من النماذج؟

لم يتطرق كلا الحكمين إلى سؤال بالغ الأهمية: هل يُعد المحتوى الناتج عن النماذج انتهاكاً لحقوق النشر؟ وهنا تكمن المشكلة الأكبر، ففي قضية منفصلة، رفعت نيويورك تايمز دعوى ضد OpenAI لأن ChatGPT أعاد إنتاج فقرات مطابقة لمحتواها، كما رفعت ديزني دعوى ضد Midjourney بزعم أنه قادر على إنتاج فيديوهات تحتوي على شخصياتها المحمية.

في حالة ميتا، حاول المدَّعون الإشارة إلى أن النموذج ينتج محتوى منسوخاً، لكن القاضي لم يقتنع، مشيراً إلى أن النموذج لا يُنتج أكثر من 50 كلمة متتالية من أي عمل، وهنا، فرَّقت المحكمة بوضوح بين التدريب (المدخلات) والنتائج (المخرجات).

 

لماذا تُعد هذه الأحكام خطرة رغم كونها لصالح الشركات؟

 

لا تزال أنثروبيك مهددة بسبب استخدامها مواد مقرصنة.. حيث قال القاضي “ألسوب”:

النسخ من مواقع قرصنة، بينما كان بالإمكان الحصول عليها قانونياً، لا يمكن تبريره ضمن الاستخدام العادل.

 

أما القاضي “تشابريا” فقد مهَّد لدعاوى مستقبلية أكثر قوة، ورغم حكمه لصالح ميتا، قال:

لدى الذكاء الاصطناعي القدرة على إغراق السوق بأعمال فنية وكتابية وصحفية، مما قد يُضعف الدافع الإبداعي لدى البشر.

 

إذن، القضية لم تُحسم قانونياً بعد، فكل حكم كان محدوداً في نطاقه، ويترك الباب مفتوحاً لدعاوى مستقبلية، خاصةً إن تم تقديم أدلة أقوى، أو ركزت على المحتوى الناتج.

 

ما حدث كان انتصاراً تقنياً، لكنه، وفي الوقت نفسه، مأزق أخلاقي وقانوني.. نعم، ربِحَت ميتا وأنثروبيك جولتين قضائيتين، لكن:

  • القانون لا يزال ضبابياً بشأن مخرجات النماذج.

  • معظم الشركات قد تكون مهددة بمطالبات مالية بسبب استخدام بيانات مقرصنة.

  • مَن يربح اليوم في المحكمة، قد يخسر غداً في معركة التأثير الثقافي والفني.

 

ومع تزايد التوجه نحو إبرام اتفاقيات ترخيص مع ناشرين كبار، قد تصبح المعركة أقل قانونية، وأكثر اقتصادية وأخلاقية.

 

المصادر: 

theverge

theguardian

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى