التغطياتجوجل

لمكافحة الاحتكار: جوجل ووزارة العدل الأميركية بين أروقة المحاكم

وزارة العدل تُطالب جوجل بالتخلي عن كروم

 

رغم بداياته المتواضعة في أواخر القرن العشرين، هيمن محرك بحث جوجل لاحقاً على عمليات البحث عبر الإنترنت، ما وضعه في مرمى نيران قضايا مكافحة الاحتكار التي تقودها الحكومة الأمريكية. 

القضية المستمرة، التي تتعلق باحتكار البحث، قد تُحدث زلزالاً في سيطرة جوجل، وتفتح الباب أمام منافسين أصغر للنمو، بل وربما تؤدي إلى اختفاء آخرين. 

وبعد انتهاء جلسات الاستماع في هذه القضية، في وقت سابق من العام الجاري، قدم محامو جوجل ووزارة العدل مرافعاتهم الختامية.

 

وزارة العدل تكسب الجولة الأولى

فازت وزارة العدل الأمريكية في المرحلة الأولى من المحاكمة، حيث صدر حكم يقضي بأن جوجل استخدمت ممارسات احتكارية للحفاظ على هيمنتها في سوق البحث العام، وخلال الفترة التي استغرقتها القضية للتنقل في دهاليز القضاء، تغيَّر مشهد الإنترنت بشكل جذري، ما جعل من الصعب تصور شبكة إنترنت ما بعد جوجل.

كجزء من مطالبها لكسر احتكار جوجل، تطالب وزارة العدل القاضي الفيدرالي بفرض قيود على تعاملات جوجل التجارية، وأبرزها إلزام الشركة بالتخلي عن متصفح “كروم”. 

إن أُجبرت جوجل على بيع كروم، فسيُعد ذلك عقوبة ضخمة وانتصاراً كبيراً لفريق وزارة العدل، إلا أن هذا الطلب تراجع إلى الخلفية مع استمرار القضية.. وخلال المرافعات الختامية، دارت المواجهة بين الطرفين حول تأثير اتفاقيات البحث التي تبرمها جوجل وصعود الذكاء الاصطناعي في تغيير وجه الإنترنت كما نعرفه.

 

أضرار جانبية محتملة

ركزت القضية على الأساليب المتعددة التي استخدمتها جوجل لتسخير نفوذها المالي لمنع المنافسة.. إحدى النقاط المحورية في القضية كانت الصفقات التي تعقدها جوجل مع شركات مثل “آبل” و”موزيلا” لتكون محرك البحث الافتراضي في متصفحاتها. 

تدَّعي جوجل أن المستخدمين بإمكانهم تغيير هذا الإعداد الافتراضي متى شاؤوا، إلا أن وزارة العدل قدّمت أدلة تفيد بأن غالبية المستخدمين لا يغيّرون هذا الخيار، وأن جوجل على علم بذلك.

وفي أثناء المرافعات الختامية، سأل القاضي الطرفين بشأن شهادة أحد مسؤولي موزيلا، الذي قال إن خسارة الصفقة مع جوجل قد تؤدي إلى انهيار الشركة. 

كما أبدى محامي آبل قلقه من خسارة الإيرادات الضخمة القادمة من جوجل، والتي يُعتقد أنها تصل إلى 20 مليار دولار سنوياً.

اعترف محامي وزارة العدل بأن هناك “تأثيراً خاصاً” محتملًا، لكنه اعتبر أن آبل وموزيلا تبالغان في تقدير حجم المخاطر. 

ومع ذلك، لم يبدو القاضي مقتنعاً تماماً بموقف الحكومة، وأشار إلى عدم رغبته في إلحاق الضرر بأسواق أخرى أثناء محاولته إصلاح سوق البحث.

 

جوجل ترد عبر بوابة الخصوصية

في الجهة المقابلة، استغل محامو جوجل نقطة الخصوصية للهجوم على مقترحات الحكومة، فواحدة من الحلول التي اقترحتها وزارة العدل تقتضي أن تُرخِّص جوجل فهرس بحثها وخوارزمياتها لشركات أخرى، وهو ما وصفه المدير التنفيذي لجوجل بأنه لا يختلف عن فصل المنتج الأساسي للشركة. 

كما حذَّرت جوجل من أن ترخيص محرك البحث قد يُعرِّض خصوصية المستخدمين للخطر، نظراً لاعتماد البحث على كم هائل من بيانات المستخدمين.. فيما قال محامي جوجل إن وزارة العدل فشلت فشلاً كاملاً في معالجة موضوع الخصوصية ضمن الحلول المقترحة.

استجوب القاضي بدوره محامي الحكومة بشأن مسألة الخصوصية، مع ملاحظة أن هذا الجانب بالكاد ذُكر في ملفات الحلول، وردَّ محامي وزارة العدل باقتراح تشكيل لجنة مستقلة لتحديد كيفية التعامل مع بيانات المستخدمين، لكنه لم يقدم جدولاً زمنياً واضحاً، وهو ما أثار قلق فريق جوجل بشدة.

 

هل يصبح الذكاء الاصطناعي محور القضية؟

في جلسات استماع مايو، علَّق قاضي المحكمة بأن دور الذكاء الاصطناعي في القضية تطور بشكل سريع وغير متوقع.. ففي عام 2023، كان هناك إجماع داخل المحكمة على أن تأثير الذكاء الاصطناعي في البحث ما زال بعيداً، لكن الأمور تغيَّرت تماماً في الوقت الحالي، وقد طغى هذا التحوُّل أيضاً على المرافعات الختامية.

سأل القاضي محامي وزارة العدل عما إذا كان بإمكان لاعب جديد “الظهور من العدم” وبناء محرك بحث تقليدي يعتمد على الروابط، في ظل التطورات المتسارعة للذكاء الاصطناعي. 

لم يُقدِّم محامي وزارة العدل إجابة مباشرة، لكنه أشار إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي لم تكن موجودة خلال الفترة التي يغطيها الإجراء القضائي، لكنها ستلعب دوراً محورياً في مستقبل البحث.

جوجل، من ناحيتها، ترى أن مستقبل الذكاء الاصطناعي قد بدأ بالفعل، وقد ضخت استثمارات ضخمة في تطوير بحث يعتمد على الذكاء الاصطناعي خلال العام الماضي. لكنها تسعى في الوقت ذاته للتمييز بين نفسها وبين الوافدين الجدد إلى الساحة. 

 

فيما أبدى القاضي تأملاً لافتاً في مستقبل البحث قائلاً: 

“ربما لم يعد الناس يريدون 10 روابط زرقاء بعد الآن.”

 

مشكلة كروميوم والحل الأنيق

خلال مراحل مختلفة من القضية، أعرب القاضي عن شكوكه بشأن مطالبة جوجل بالتخلي عن متصفح كروم.. لكن، في المرافعات الختامية، أعاد محامي وزارة العدل تسليط الضوء على العلاقة الوثيقة بين متصفح كروم ومحرك البحث، مشيراً إلى أن 35٪ من عمليات البحث عبر جوجل تأتي من خلال كروم.

وبدا أن القاضي أصبح أكثر انفتاحاً تجاه فكرة بيع كروم، ربما لأن الحلول الأخرى باتت أقل وضوحاً من الناحية العملية، ووصف اقتراح بيع كروم بأنه “أقل غموضًا” و”أكثر أناقة” من مقترحات البيانات والصفقات الافتراضية. 

أما جوجل فقد أعادت التأكيد على أن هذا الإجراء لا يستند إلى أساس قانوني، وأن سيطرة كروم ناتجة عن الابتكار وليس الاحتكار.

لكن، حتى إن وافق القاضي على بيع كروم، فمشروع “كروميوم” المفتوح المصدر قد يُشكِّل عقبة.. إذ لم يبدِ القاضي اقتناعاً بأن المشترين المحتملين -ويشملون تقريباً كل شركات التقنية الكبرى- يمتلكون القدرة الفنية للحفاظ على عمل كروميوم بسلاسة، وهو المشروع الذي تعتمد عليه متصفحات كثيرة غير كروم.

وفي حال تخلَّت عملاق التكنولوجيا الأميركي جوجل عن متصفحها كروم، فإن كروميوم سيكون جزءاً من الصفقة، لكن من سيُدير المشروع؟ 

ترى وزارة العدل أن من الشائع أن ينتقل الموظفون مع الصفقات، لكن ذلك ليس مضموناً، وقد نُوقِشت فكرة إلزام المشتري بتوظيف فريق عمل للحفاظ على المشروع، مع اقتراح أن تُقدِّم جوجل حوافز مالية لضمان استمرار الكفاءات الحرجة، لكن الأمر يبدو معقداً.

 

ما القادم؟

رغم أن بيع كروم أصبح احتمالاً أقرب مما كان عليه في السابق، فإن القرار النهائي لم يُتخذ حتى اللحظة.. فبعد المرافعات الختامية، سيكون على القاضي أن يراجع كافة المعطيات لاتخاذ قرار بشأن مصير جوجل، وهو ما يُتوقع أن يحدث في أغسطس/آب من العام الجاري. 

لكن شيئاً لن يتغير فوراً، حيث أكدت جوجل أنها ستستأنف الحكم على الفور، على أمل نقض القرار الأصلي.. ما يعني أن المعركة القضائية قد تستمر لسنوات قبل أن تصل إلى نهايتها.

 

المصادر:

arstechnica 

reuters

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى