الذكاء الاصطناعي

هل يعيش الذكاء الاصطناعي لحظة دوت كوم جديدة؟

سخاء استثماري رغم عدم إثبات التقنية قدرتها الربحية

 

تتسارع استثمارات الذكاء الاصطناعي بوتيرة غير مسبوقة، حيث أعلنت شركة إنفيديا عن نيتها ضخ ما يصل إلى مئات المليارات في بنى تحتية عملاقة لتغذية الطموح نحو الذكاء العام، لكن التساؤل الأكبر يظل قائماً: أين العائد؟

 

استثمارات بالمليارات.. ونموذج ربحٍ غير مؤكد

منذ بداية الزخم العالمي حول الذكاء الاصطناعي التوليدي، تزايدت التحذيرات من فقاعة مضاربية قد تكون الأضخم منذ أزمة الدوت كوم بنهاية تسعينيات القرن الماضي. فالشركات التقنية الكبرى، إلى جانب صناديق الاستثمار الجريئة ورؤوس الأموال المغامرة، اتجهت لنصب رهانات قد تتجاوز فاتورتها النهائية حدود التريليونات، دون وجود رؤية واضحة للعائد أو نموذج ربح مثبت ومستدام.

تُموَّل هذه الاستثمارات عبر القروض والسندات، واتفاقيات تمويل غير تقليدية، أبرزها الاتفاق الذي أعلنت عنه إنفيديا في سبتمبر/أيلول الماضي للاستثمار في مراكز البيانات الخاصة بشركات تعمل على بناء وتوسيع بنى تشغيل النماذج اللغوية المتقدمة.

108212052 1760471792144 Ai Web Centered Dollar

سباقٌ محموم نحو الجهوزية القصوى

تستثمر شركات التقنية الكبرى مئات المليارات ليس فقط لمجاراة الإقبال المتزايد على أدوات مثل شات جي بي تي وجيمناي وكلاود، بل استعداداً لتحول جوهري بنمط النشاط الاقتصادي، ينتقل فيه جزء كبير من العمليات من البشر إلى الآلات.

لكن هذا السخاء الاستثماري يأتي في وقتٍ لم تُثبت فيه التقنية بعد قدرتها على أن تكون مشروعاً تجارياً مُدراً للربح بالاتساق الذي يوازي الضخ المالي الهائل، فالمديرون التنفيذيون في شركات التقنية يخشون علناً من أن يقل إنفاقهم فيخسروا السباق، ويخشون سراً من الإنفاق المفرط بدون مردود.. بين مطرقة التخلف وسندان التضخم.

 

نقصٌ في مكوّنات الذكاء العام (AGI)

من جانبه، أقرَّ سام ألتمان بأن الوصول إلى الذكاء العام لا يزال يفتقد “عنصراً حاسماً”.. هذه الاعترافات تزامنت مع ردود الفعل المختلطة حول النموذج المنتظر “GPT-5” الذي لم يكن بالقفزة الثورية التي رُوِّج لها قبل إطلاقه في أغسطس/آب الماضي.

 

علاماتٌ تحذيرية متصاعدة

حين أعلن ألتمان عن خطة بقيمة 500 مليار دولار تحت مشروع يحمل اسم “ستار جيت” في يناير/كانون الثاني الماضي من داخل البيت الأبيض، أثار الرقم ذهول الأسواق.. ليصرِّح بعدها أنه يتوقع تجاوز الإنفاق نحو “تريليونات الدولارات”، فيما أعلن مارك زوكربيرج عن خطة مماثلة للاستثمار في مراكز البيانات التابعة لشركته.

ديونٌ ضخمة بلا نماذج أعمال مستقرة
وفي سبتمبر/أيلول من العام نفسه، أعلنت إنفيديا اتفاق لاستثمار ضخم في بنى البيانات الخاصة بشركات الذكاء الاصطناعي.. على الجانب الآخر تستفيد شركات مثل مايكروسوفت وأوراكل من صلابتها المالية وخبرة سنواتها الطويلة في الربحية لدعم هذا التمدد، فيما تُلمِّح شركات الذكاء الأصغر إلى السعي نحو التمويل بالديون المباشرة، رغم توقع بعضها لاستنزاف نقدي قد يصل إلى 115 مليار دولار خلال السنوات القادمة.

Why AI Bubble Concerns Loom as OpenAI, Microsoft, Meta Ramp Up Spending -  Bloomberg

إنفاقٌ بالديون لدى الكبار 

لجأت شركات مثل ميتا للحصول على تمويلات دين تفوق 26 مليار دولار لإنشاء مجمع بيانات ضخم الحال في ولايات مثل لويزيانا، كما تقود مصارف عالمية قروض مماثلة لدعم شركات بناء مراكز البيانات في الولايات المتحدة وأوروبا.

على الجانب الآخر، قالت شركة “باين آند كومباني” (Bain & Company) في تقريرها لشهر سبتمبر/أيلول الماضي أن شركات الذكاء ستحتاج إلى إيرادات سنوية مُجمَّعة بقيمة 2 تريليون دولار بحلول عام 2030 لتغذية قدرات الحوسبة المتنامية، بينما يُتوقع أن تعاني عجزاً يصل إلى 800 مليار دولار مقارنة بالمطلوب.

من جانبه، اعتبر رئيس صندوق التحوط الأمريكي “دايفيد إينهورن” هول الأرقام  أنها “صعبة الاستيعاب”، مُحذراً من احتمال حدوث “تدمير لرأس المال على نطاق واسع”، لكنه لم ينفِ أيضاً وجود قيمة مستقبلية للتقنية، بل على العكس، شكك بجدوى وتوقيت التوسع المفرط.

 

شكوكٌ تقنية 

في أغسطس/آب الماضي، كشفت دراسة صادمة صادرة عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) بأن 95% من المؤسسات لم تحقق أي عائد فعلي من مبادرات الذكاء الاصطناعي.

لاحقاً، كشفت دراسة مشتركة بين جامعتي “هارفارد” و”ستانفورد” انتشار محتوى منخفض القيمة يُنتجه الموظفون عبر الذكاء الاصطناعي، أطلقت عليه الدراسة اسم “Workslop”، أي محتوى يبدو جيداً لكنه بلا جوهر كافٍ لدفع العمل فعلاً، ما قد يُكبِّد المؤسسات ملايين الدولارات سنوياً من خسائر الإنتاجية.

photo 2025 11 24 12 59 22

التراجع أمام المنافسة الصينية

وعلى الرغم من تقدم الشركات الأميركية حتى الآن في السباق، فإن المخاوف تتصاعد من نماذج صينية منخفضة الكلفة قد تُضعف قدرة الشركات الأميركية على استرداد استثماراتها.

حيث جاء النجاح الفيروسي لنموذج ديب سيك ليجبر الأسواق على إعادة تقييم جدوى الإنفاق، مُسبباً موجة بيع حادة أدت إلى تراجع 17% من سهم شركة إنفيديا في يوم واحد، قبل عودته لاحقاً لتسجيل مستويات قياسية.

 

بين الإقرار والحماس

في السياق نفسه، قال ألتمان إن المستثمرين “متحمسون أكثر من اللازم”، لكنه عاد ليصف الذكاء الاصطناعي بأنه “أهم ما حدث منذ زمنٍ طويل”.

على الجانب الآخر، وصف مارك زوكربيرج احتمال الفقاعة بأنه “ممكن”، لكنه أكد أن الخطر الأكبر يتمثل في عدم الإنفاق الكافي وليس الإفراط فيه.

0 fke OSYNDO zPqkm

دروس الدوت كوم: التاريخ يعيد صدى المستقبل

تُذكِّر المشكلة الحالية بسباق شركات الاتصالات على بناء شبكات الألياف الضوئية نهاية التسعينيات، حين تبيَّن لاحقاً ضعف الإقبال على تغطية التكلفة، ما أدى لانهيار 2001 وقاد شركات نحو التصفية التامة أو الاستحواذ عليها بأثمان بخسة، بينما نجا عمالقة ذلك العصر مثل أمازون وجوجل، وحققوا لاحقاً قفزات اقتصادية هائلة.

بهذا الصدد، يقول “بيريت تايلور” رئيس شركة سيرا (Sierra) الناشئة في الذكاء الاصطناعي:

التحول قادمٌ لا شكّ فيه، لكن الضحية الأكبر ستكون رأس المال الذي يُنفق بعمى

 

ما الذي يعنيه هذا للسوق إذن؟

  • النمو غير المسبوق لا يعني بالضرورة ربحاً مؤكداً.
  • تبنّي الذكاء الاصطناعي سريع، لكن تحقيق القيمة المالية أبطأ من الضخ المالي بكثير.
  • الفقاعة -إن انفجرت- قد تُصفِّي لاعبين كُثُر، وتُبقي القِلَّة المستقرة مالياً وتقنياً.
  • التحدي ليس في الإمكانات، بل في النماذج الربحية، واستهلاك الطاقة، وكلفة التنافس، واسترداد رأس المال.

 

المصادر:

Bloomberg

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى