الذكاء الاصطناعي والحوسبة المحيطية: عتاد ذكي بكل مكان
الذكاء الاصطناعي يعيد تعريف الحوسبة المحيطية

يبدو أن تطور الذكاء الاصطناعي ترسمه بدقة مواهبُ تقنية وعقولٌ تُجاوِرُ حدود الخيال العلمي، وتخطو نحوه بثقة هائلة ليصبح أمراً واقعاً وحتمياً في المستقبل القريب.
وفي هذا الإطار، يشكّل الذكاء الاصطناعي المحيط، وهو مزيج متكامل بين الذكاء الاصطناعي والحوسبة المحيطية، أحد أبرز الابتكارات الثورية التي يُتوقع أن ترسم ملامح الحقبة القادمة من حياة المستخدمين، حيث تصبح الأجهزة الذكية أكثر اندماجاً في البيئة اليومية.
لطالما حلم المستخدمون بجهاز واحد يقوم بكل شيء، بدلاً من حقيبة تحمل هاتفاً ولابتوب وملحقات أخرى، لكن ما عرضته جوجل في حدث Made by Google الأخير في بروكلين يكشف عن رؤية مختلفة: مستقبل عتاد الذكاء الاصطناعي لن يتمحور حول جهاز شامل، بل حول نظام بيئي متنوع من الأجهزة الذكية المتصلة.
قدَّمت جوجل أربعة هواتف جديدة، ساعة ذكية، وسماعات أذن، لكن ما ميَّز هذا الحدث لم يكن الأجهزة بحد ذاتها، بل الرسالة الواضحة: الذكاء الاصطناعي لن يقلل عدد الأجهزة التي نستخدمها، بل سيضاعفها.
وبدلاً من تقليص العتاد، سنشهد انتشاراً أوسع لأجهزة مثل النظارة الذكية والساعة الذكية، التي تعمل بتناغم ضمن منظومة الحوسبة المحيطية، لتجعل الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من تفاصيل الحياة اليومية.
من البيانات إلى البصيرة: الأجهزة القابلة للارتداء تقود ثورة الذكاء الاصطناعي
في السابق، ركزت الأجهزة القابلة للارتداء على “تتبع البيانات” مثلما بدأت “Fitbit”. لكن سانديف وارايتش، قائد منتجات Pixel Wearables في جوجل، أوضح أنَّ المرحلة المقبلة ستتمحور حول:
- تحليل البيانات باستمرار بدلاً من التقارير المتقطعة.
- تحويل البيانات الخام إلى رؤى شخصية مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
تُعد الأجهزة القابلة للارتداء مثل الساعة الذكية والنظارة الذكية العنصر الأكثر التصاقاً بجسم المستخدم، ما يمنحها ميزة فريدة وهي التواجد الدائم على الجسد، ويجعلها البوابة المثالية لمساعد ذكاء اصطناعي شخصي يعرف كل تفاصيل حياتك، ويستفيد من الحوسبة المحيطية لتقديم تجربة أكثر سلاسة و تفاعلاً.
مرحلة المعكرونة: تجارب الذكاء الاصطناعي بين النظارة الذكية ومسجلات الحياة
نعيش حالياً ما يسميه خبراء جوجل بـ”مرحلة رمي المعكرونة على الحائط”: لا أحد يعرف الصيغة الفائزة، لذا كل الأفكار مطروحة للتجربة:
- تراهن ميتا على النظارات الذكية متعددة الوسائط.
- تُقدِّم عدة شركات ناشئة مسجلات حياة تعمل كذاكرة ثانية.
- يعمل جوني آيف وسام ألتمان على مشروع غامض قد يكون أي شيء.
وبالنسبة لجوجل، لا يوجد عامل حسم واحد ولا جهاز واحد مهيمن.
بهذا الصدد، يقول “ريشي تشاندرا” نائب رئيس قسم الصحة وFitbit في جوجل،:
أي قناعة حالياً ستكون مبكرة جداً.. الذكاء الاصطناعي يتطور بسرعة لدرجة أن أي رؤية للعتاد يمكن أن تتغير بين ليلة وضحاها.
الحوسبة المحيطية: الساعة والنظارات الذكية بقيادة Gemini
ترى جوجل أن الطريق نحو الحوسبة المحيطة (Ambient Computing) يبدأ من الهاتف، ويمتد إلى الساعة الذكية والسماعات، ثم إلى أشكال جديدة من الأجهزة مثل النظارة الذكية أو الخواتم الذكية.
فالهدف النهائي هو نظام متكامل حيث:
- تعمل جميع الأجهزة بتناغم كأنها نظام بيئي واحد.
- يختفي العتاد في الخلفية، بينما يتولى الذكاء الاصطناعي (Gemini) إدارة التجربة بسلاسة.
تخيل مثلاً أن تدرك مصابيح منزلك الذكية أنك أرسلت رسالة لصديق تقول إنك تعاني من صداع نصفي، فتتحول إضاءتها تلقائياً إلى وضع هادئ.
هذا هو المستقبل الذي تراه جوجل: أجهزة متعددة، لغة مشتركة، وتجربة موحدة يقودها Gemini.
رهانات جوجل : مستقبل الذكاء الاصطناعي خارج الهاتف
فقدت الهواتف الذكية وهجها، وأصبحت مثل “تويوتا كامري” أكثر من كونها “فيراري”، حيث بات المستخدمون يحتفظون بها لسنوات بدلاً من الترقية السنوية.
بالتالي، تبحث شركات التقنية الكبرى عن “القفزة التالية”، وعتاد الذكاء الاصطناعي هو الرهان الأكبر.
بهذا الصدد، يشهد السوق نمواً في الخواتم الذكية ونجاحاً متزايداً للنظارات الذكية من ميتا، ما يعزز فكرة أنّ المستقبل ليس للهاتف وحده.
بالتالي، يمكن القول إن المستقبل لن يعتمد على جهاز واحد، بل منظومة متكاملة من الأجهزة مثل الساعة الذكية والنظارة الذكية وتقنيات ميتا وغيرها من التقنيات والملحقات الذكية التي تعمل بتناغم ضمن بيئة الحوسبة المحيطية.
رؤية جوجل لمستقبل عتاد الذكاء الاصطناعي واضحة:
- لن يوجد “الجهاز السحري” الموحد.
- سيتكوَّن المستقبل من شبكة متنوعة من الأجهزة الذكية القابلة للارتداء والملحقات.
- سيكون جِمناي الغراء الذي يربطها معاً، ويحوِّلها إلى تجربة حوسبة شخصية وسلسة.
ومهما بدا هذا الاتجاه متناقضاً مع رغبة المستخدمين في تقليل عدد الأجهزة، فإن الشركات التقنية تراهن على أنَّ الذكاء الاصطناعي لن يحررنا من الأجهزة.. بل سيجعلنا نحتاج إلى المزيد منها.
المصادر:
Theverge