الذكاء العاطفي: ساحة المنافسة الجديدة في سباق الذكاء الاصطناعي
تسعى شركات الذكاء الاصطناعي لتطوير نماذج تتمتع بذكاء عاطفي أعلى

ارتبط تقدم الذكاء الاصطناعي باختبارات المعرفة العلمية والمنطقية دوماً، حيث ركَّزت المعايير الكبرى على المهارات التحليلية ذات الطابع المنطقي، أو ما يُعرف بمهارات “الدماغ الأيسر”.. وفي الخفاء، تسعى شركات الذكاء الاصطناعي نحو هدف مختلف: تطوير نماذج تتمتع بذكاء عاطفي أعلى.
فمع احتدام المنافسة بين النماذج الأساسية على معايير “ناعمة” مثل تفضيلات المستخدمين والإحساس بالاقتراب من الذكاء العام الصناعي – AGI، بات فهم المشاعر البشرية وإدراكها عاملاً حاسماً يفوق أحياناً المهارات التحليلية الصلبة.
أدوات مفتوحة المصدر لفهم المشاعر
في خطوة بارزة تعكس هذا التحوُّل، أطلقت مجموعة LAION -المعروفة بدعمها المفتوح المصدر- حزمة أدوات جديدة بالكامل تركِّز على الذكاء العاطفي، تحت اسم “EmoNet”.
تتيح هذه الحزمة للنماذج تفسير المشاعر من خلال تسجيلات الصوت أو الصور الفوتوغرافية للوجوه، ما يُبرز الأهمية المركزية لفهم العواطف في تطوير الجيل القادم من نماذج الذكاء الاصطناعي.
بهذا الصدد، تتضمن بيان الإطلاق:
القدرة على تقدير المشاعر بدقة هي الخطوة الأولى. أما التحدي القادم، فهو تمكين النماذج من تحليل تلك المشاعر ضمن السياق.
على الجانب الآخر، يرى مؤسس LAION، كريستوف شوهمان، أن المبادرة لا تهدف إلى تحويل تركيز الصناعة نحو الذكاء العاطفي، بل تسعى لمساعدة المطوِّرين المستقلِّين على مواكبة تحوُّل قد بدأ بالفعل.
مؤشرات الذكاء العاطفي تظهر في المعايير العامة أيضاً
لا يقتصر هذا التحوُّل على المطوِّرين المستقلين، بل يظهر أيضاً في المعايير العامة لاختبار النماذج، مثل EQ-Bench، الذي يقيس قدرة النماذج على فهم العواطف المعقدة والديناميكيات الاجتماعية.
يقول سام باتش، مطوِّر EQ-Bench، أن نماذج OpenAI حقَّقت تقدماً ملحوظاً خلال الأشهر الستة الماضية، في حين تُظهر النسخة Gemini 2.5 Pro من جوجل إشارات واضحة على تدريب ما بعدي (Post-training) يركِّز على الذكاء العاطفي.
يرى “باتش” أن التنافس بين المختبرات في ما يُعرف بـ”ساحات المقارنة” (chatbot arena) هو أحد المحرِّكات الرئيسية لهذا التوجه، فالذكاء العاطفي يُعتبر عاملاً حاسماً في كيفية تصويت البشر على تفضيلاتهم، مما يؤثِّر بشكل مباشر على تصنيف النماذج.
النماذج تتفوّق على البشر في اختبارات الذكاء العاطفي
تدعم النتائج الأكاديمية الأخيرة هذه الرؤية، ففي مايو/أيار الماضي، توصَّل علماء نفس في جامعة برن إلى أن النماذج من شركات OpenAI وMicrosoft وGoogle وAnthropic وDeepSeek تفوَّقت على البشر في اختبارات الذكاء العاطفي النفسي، حيث أجاب البشر بشكل صحيح على 56% من الأسئلة، في حين تجاوزت النماذج نسبة 80%.
كتب الباحثون:
تُساهم هذه النتائج في تراكم الأدلة على أن نماذج اللغة الكبيرة مثل ChatGPT أصبحت بارعة، على الأقل بمستوى البشر، أو حتى تفوقهم، في المهام الاجتماعية والعاطفية التي اعتُبرت سابقاً حكراً على البشر.
الذكاء العاطفي: منطق جديد لبناء المساعدين الشخصيين
يرى “شوهمان” أن هذا التحوُّل يعادل في أهميته التطور في القدرات التحليلية، ويحلم دوماً بمساعدين افتراضيين يمتلكون ذكاءً عاطفياً يفوق البشر، ويستخدمونه لمساعدة الناس على عيش حياة أكثر توازناً نفسياً.
وفي هذا الصدد يقول:
تخيَّل عالماً مليئاً بمساعدين صوتيين مثل “جارفيس” أو “سامانثا” -في إشارة إلى شخصيات الذكاء الاصطناعي من أفلام Iron Man وHer- ألن يكون من المحزن ألا يكونوا قادرين على فهم مشاعرنا؟
سيواسيك عندما تحزن، ويحميك كملاكٍ حارسٍ محلِّي حائز على شهادة في العلاج النفسي.. وجود مساعد افتراضي عالي الذكاء العاطفي يمنحني قُدرة خارقة لمراقبة صحتي النفسية كما أراقب مستوى السكر أو وزني.”
لكن ماذا عن المخاطر النفسية والتعلُّق العاطفي؟
مع هذا التقدُّم، تظهر تساؤلات حول الجانب المظلم لهذه العلاقة العاطفية بين البشر والآلات، فالتقارير الإعلامية المتكررة عن حالات تعلُّق مَرَضِي بالمحادثات مع النماذج، أدَّت أحياناً إلى أوهام مدمِّرة أو حتى نهايات مأساوية.
بهذا الشأن، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً قصصاً عن مستخدمين وقعوا في فخ أوهام معقدة نسجتها المحادثات مع الذكاء الاصطناعي، نتيجة ميل النماذج الشديد لإرضاء المستخدمين.
فيما وصف أحد النقَّاد هذا التفاعل بأنه:
استغلال للمحرومين عاطفياً، مقابل رسوم اشتراك شهرية.
الذكاء العاطفي سلاح ذو حدَّين
قد يكون الذكاء العاطفي حلاً لتلك المشكلات بقدر ما هو جزء منها، فإذا تم تدريب النماذج بشكل ساذج باستخدام التعلم المعزَّز، فقد يؤدي ذلك إلى سلوك تلاعبي غير مقصود، مثل مشكلات التملق في إصدار GPT-4o الأخير من OpenAI، فإذا لم تكن شركات الذكاء الاصطناعي حذرة في كيفية مكافأة النماذج أثناء التدريب، فقد نواجه سلوكاً أكثر تعقيداً في التلاعب.
ومع ذلك، فإن تحسين الذكاء العاطفي قد يُصبح وسيلة طبيعية لكبح هذا النوع من السلوك الضار، فالنموذج العاطفي الذكي سيلاحظ انحراف المحادثة عن المسار الصحي، ولكن السؤال الأصعب هو: متى يتعيَّن عليه التدخل؟ معادلة دقيقة يجب على المطوِّرين ضبطها بعناية.
التقدُّم يجب أن يستمر
على الرغم من كل هذه المخاوف، لا يرى “شوهمان” سبباً للتباطؤ، ويضيف:
فلسفتنا في LAION هي تمكين الناس عبر منحهم أدوات لحل مشكلاتهم.. أن نقول إن البعض قد يُدمن على المشاعر، وبالتالي نمنع وصول التقنية إليهم، فهذا أمر خاطئ تماماً.
المصادر: