الذكاء الاصطناعيمقالات

الذكاء الاصطناعي ومستقبل السينما: هل يمكن كتابة فيلم بسطر واحد؟

لا يمكنك أن تطلب من كريستوفر نولان أن يكتب فيلمه عبر رسالة نصية

 

بات من الصعب تصفح الإنترنت دون مواجهة فيديوهات مولدة بالذكاء الاصطناعي تظهر فجأة، سواء كانت مشاهد لأحداث طبيعية مزيفة أو حيوانات تقوم بحركات غير واقعية.. معظم هذه الفيديوهات تبدو رديئة الجودة، ومع ذلك تحظى بمئات أو آلاف الإعجابات والتعليقات التي تؤكد أن المحتوى المولد بالذكاء الاصطناعي هو شكل فني جديد سيغير قواعد اللعبة.

هذا الأمر يزداد وضوحاً مع الفيديوهات التي تحاول الظهور بشكل واقعي، وكثيراً ما تُطرح تحذيرات بأن هذه التقنية تهدد صناعة الترفيه التقليدية.. فكرة أن الفيديوهات المولدة بالذكاء الاصطناعي تمثل “مستقبل صناعة الأفلام وتهديداً وجودياً لهوليوود” انتشرت بسرعة بين مؤيدي هذه التكنولوجيا الجديدة نسبياً.

لكن من الصعب تصديق أن استوديوهات الإنتاج الكبرى ستتبنى هذه التقنية بوضعها الحالي، خاصة أن مخرجات نماذج الذكاء الاصطناعي لا ترقى غالباً إلى مستوى يمكن تحويله إلى فيلم أو مسلسل جيد. 

يحاول المخرج “براين موسر” تغيير هذا الانطباع من خلال شركته الجديدة Asteria، التي أطلقها العام الماضي، بالإضافة إلى فيلم طويل مرتقب من إنتاج ناتاشا ليون، شريكته في الحياة والمستشارة في Late Night Labs، وهو استوديو متخصص في الذكاء الاصطناعي التوليدي واستحوذت عليه شركة XTR التابعة لموسر.

نموذج أخلاقي وسط معركة قانونية محتدمة

تروج شركة Asteria لنفسها بأنها مختلفة عن باقي شركات الذكاء الاصطناعي، إذ أن النموذج التوليدي الذي طوّرته بالتعاون مع شركة الأبحاث Moonvalley تم تدريبه فقط على مواد مرخصة قانونياً، ما يجعل منه نموذجاً “أخلاقياً”. 

وفي ظل الدعاوى القضائية الكبرى، مثل تلك التي رفعتها ديزني ويونيفرسال ضد Midjourney بسبب انتهاك حقوق النشر، قد تصبح فكرة “الذكاء الاصطناعي الأخلاقي” عنصراً أساسياً في مستقبل التقنية داخل قطاع الترفيه.

لكن موسر يؤكد أن ما يميّز Asteria حقاً هو فهمها العميق لماهية الذكاء الاصطناعي، قائلاً:

عندما بدأنا التفكير في بناء Asteria، كان واضحاً لنا كصُنّاع أفلام أن هناك مشاكل كبيرة في طريقة تقديم الذكاء الاصطناعي لهوليوود، فالأدوات لم يُصممها أشخاص لديهم أدنى خبرة في صناعة الأفلام.

 

يشير موسر إلى أن فكرة “اكتب لي فيلم حرب النجوم الجديد وسيُنتَج فوراً” التي روَّجت لها وادي السيليكون، ليست فقط خيالية، بل مضللة أيضاً.

 

لا يمكن توجيه نولان برسالة نصيّة

يعتقد موسر أن السبب وراء التهويل من تهديد الذكاء الاصطناعي لصناعة السينما يعود إلى اعتقاد خاطئ بأن إنتاج الفيديو يمكن أن يكون بنفس سهولة نسخ الأصوات في الأغاني.

لا يمكنك أن تطلب من كريستوفر نولان أن يكتب فيلمه عبر رسالة نصية فقط ويظهر على الشاشة.. صانعو الأفلام بحاجة إلى تحكم دقيق يصل إلى مستوى البكسل في كثير من الأحيان.

لمنح المخرجين هذا النوع من التحكم، تستخدم Asteria نموذجها التوليدي الأساسي “Marey” لتصميم نماذج فرعية مخصصة لكل مشروع، يتم تدريبها على مواد بصرية أصلية.

فعلى سبيل المثال، خلال إنتاجها للفيديو القصير “رسالة حب إلى لوس أنجلوس” للفنان Cuco، تم تدريب النموذج على 60 رسمة أصلية للفنان بول فلوريس، مما أتاح تحويلها إلى أصول ثنائية الأبعاد ثم إلى نماذج ثلاثية الأبعاد لبناء مدينة خيالية بالكامل.. ورغم النتيجة المبهرة، كشف المشروع عن القيود الحالية للتقنية، فالتحكم الكامل لا يزال بعيد المنال.

 

ملكية جزئية وتكاليف إنتاج أقل

وفقاً لموسر، يمكن للمخرجين الاحتفاظ بجزء من ملكية النماذج التي يتم إنشاؤها حسب الاتفاق المالي مع Asteria. وإلى جانب الرسوم التي تدفعها الشركة لمُبتكري المحتوى الذي يُدرّب عليه النموذج، يجري الآن استكشاف إمكانية تقاسم الإيرادات مستقبلاً.. لكن التركيز الحالي ينصبّ على جذب الفنانين من خلال تقليل تكاليف الإنتاج.

في أفلام بيكسار، قد تكون مخرجاً أو كاتباً، لكن لا تملك شيئاً من المشروع. لا أرباح ولا حتى حصة من بيع علبة طعام بشخصية الفيلم. أما مع هذه التقنية، فيمكنك تقليل التكاليف وجعل التمويل المستقل ممكناً، مما يفتح الباب أمام ملكية حقيقية.

 

فيلم “الوادي الغريب”: اختبار حقيقي للطموحات

تستعد Asteria لاختبار رؤيتها من خلال فيلم جديد بعنوان “Uncanny Valley”، من كتابة وإخراج ناتاشا ليون، حيث تدور القصة حول فتاة مراهقة تبدأ في رؤية العالم كما لو كان لعبة فيديو، وتتضمن مشاهد خيالية بصرية شبيهة بـ”ذا ماتريكس”، سيتم إنتاجها بالكامل باستخدام نماذج Asteria.

يأمل موسر ألا يلاحظ المشاهدون أن الفيلم يعتمد على الذكاء الاصطناعي إطلاقاً، حيث يضيف:

لا نريد أن يُقال: “ها هو المشهد الذي تولَّاه الكمبيوتر”، بل أن يكون كل شيء مصقولاً بلمسة المخرج.

رغم تفاؤله، لا يُنكر موسر أن التقنية قد تؤدي إلى تقليل عدد العاملين في مجال الإنتاج، خاصة أن أحد أبرز مميزات الذكاء الاصطناعي هو إنجاز المشاريع بسرعة وبفرق عمل صغيرة.. لكنه يلفت إلى أن هذا التحول لم يبدأ مع الذكاء الاصطناعي، بل مع اضطرابات سابقة مثل إغلاق شركة Technicolor المتخصصة في المؤثرات البصرية.

 

الانتقال إلى مستقبل جديد… أم تهديد لمئات الوظائف؟

لا يُقلل موسر من حجم مخاوف العاملين في الصناعة، والتي كانت أحد أسباب الإضرابات التي شهدتها هوليوود عام 2023، لكنه يرى أن هناك فرصة حقيقية لمن يرغب في التكيّف:

“كما انتقلنا من التحرير على شرائط إلى التحرير الرقمي على Avid، يستطيع الفنانون الحقيقيون، من مديري التصوير إلى الكُتَّاب، أن ينتقلوا إلى هذا العصر الجديد.”

لا يكمن الخطر الحقيقي في انهيار استوديوهات هوليوود التقليدية، بل في إمكانية أن تعتمد الصناعة نماذج إنتاجية تقلل الحاجة إلى الأيدي العاملة، تماماً كما تروِّج Asteria نفسها، فهل سيكون بالإمكان تحويل مئات آلاف العاملين الحاليين إلى أدوار جديدة ضمن بيئة مدعومة بالذكاء الاصطناعي؟

حتى اللحظة، يعرف “موسر” ما يجب قوله، ويبدو واثقاً من خطابه، لكن الاختبار الحقيقي يبقى في إثبات أن هذه التكنولوجيا، بكل ما تحمله من وعود وتغييرات جذرية، يمكن أن تصنع أفلاماً تُقنع الجمهور.. دون أن تفقد الصناعة روحها البشرية.

 

المصادر: 

theverge

forbes

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى