الذكاء الاصطناعي الوكيل: يُفكر وينفذ دون انتظار أوامرك!
هل تتخيل ذكاءً اصطناعياً يتخذ قراراته وينفذها من تلقاء نفسه؟

هل تتخيل ذكاءً اصطناعياً لا ينتظر أوامرك، بل يتخذ قراراته وينفذها من تلقاء نفسه؟ هذا هو جوهر ما يُعرف بالذكاء الاصطناعي الوكيل (Agentic AI)، أحد المفاهيم الناشئة في عالم التقنية.. قد يبدو المصطلح جديداً، إلا أن المفهوم ذاته ليس وليد اللحظة.
فما هو هذا النوع من الذكاء الاصطناعي؟ وكيف يختلف عن النماذج التقليدية مثل ChatGPT أو أدوات توليد الصور؟ ولماذا يحذر الخبراء من تقليل دور الإنسان عند الاعتماد عليه؟ إليك كل ما تحتاج إلى معرفته.
من أدوات سلبية إلى وكلاء نشطين
لم يُصمَّم الذكاء الاصطناعي الوكيل (Agentic AI) ليكون أداةً تنتظر الأوامر، بل ليقوم بالدورة الكاملة: الإحساس بالبيئة المحيطة، اتخاذ القرار، ثم التصرف.. وهذا ما يُميِّزه عن أدوات الذكاء الاصطناعي الأخرى التي تعتمد على مدخلات المستخدم فقط.
يُوضِّح بيتر ستون -أستاذ في جامعة تكساس وكبير العلماء في Sony AI America- أن ما يحدث حالياً هو إتاحة دورة “الإحساس – القرار – التنفيذ” لجميع المستخدمين، وليس فقط للمشاريع الضخمة.
على الجانب الآخر، يعتبر أنكور باتيل -مؤسس شركة Multimodal المتخصصة في الذكاء الاصطناعي الوكيل- أن هذه التقنية تمثل تحولاً جذرياً من أدوات تفاعلية إلى أنظمة قادرة على اتخاذ قرارات معقدة، ويضرب مثالاً بمحلل قروض يتعين عليه التحقق من كشوف الرواتب والضرائب والتقارير الائتمانية؛ هنا يتدخل الذكاء الاصطناعي ليقوم بكل ذلك بشكل تلقائي، وبدقة فائقة.
ما الفرق بين الذكاء الاصطناعي الوكيل والذكاء الاصطناعي التوليدي والدردشات الذكية؟
الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) مثل ChatGPT أو أدوات إنشاء الصور، يعتمد على مدخلاتك لينتج محتوى جديداً، أما الذكاء الاصطناعي الوكيل فيستخدم نفس النماذج ولكن يُضيف إليها “الاستقلالية” والقدرة على التخطيط والتنفيذ.
مثال توضيحي:
- الذكاء التوليدي: يكتب لك خطة سفر.
- الذكاء الاصطناعي الوكيل: يحجز الرحلة، والفندق، ويعيد الحجز تلقائياً في حال تأخر الطيران.
بمعنى آخر، النظام لا ينتظر أوامرك، بل يفهم هدفك وينفذه من تلقاء نفسه عبر خطوات متعددة.
يُلخِّص “باتيل” الفكرة بقوله:
الدردشة الذكية تجيب عن الأسئلة، أما الذكاء الاصطناعي الوكيل فيحل المشكلات ويحوّل الرؤى إلى نتائج عملية.
الذكاء الاصطناعي: أتمتة أم تعزيز؟
تُثار دائمًا تساؤلات حول الذكاء الاصطناعي وأثره على الوظائف، هل سيحل محل البشر؟ أم سيكون أداة مساعدة؟
يرى “ستون” أن الفارق بين الأتمتة والتعزيز دقيق، فالأتمتة تعني الاستبدال، أما التعزيز فيعني تغيير طبيعة العمل وجعله أكثر كفاءة. تماماً مثل انتقال المطاعم من غسل الصحون يدوياً إلى استخدام غسالة أطباق.. لا يزال هناك دور للإنسان، لكنه أقل تكراراً وأعلى إنتاجية.
يُؤكد باتيل أن المخاوف ليست من فقدان الوظائف، بل من عدم مجاراة من يستخدمون الذكاء الاصطناعي.
“السؤال ليس: هل سيأخذ الذكاء الاصطناعي وظيفتي؟ بل: هل سأعمل بجانبه أم سأتخلف عن أولئك الذين يفعلون؟”
أين يمكن رؤية الذكاء الاصطناعي الوكيل عملياً؟
بدأ الذكاء الاصطناعي الوكيل حالياً بالتغلغل في عدة قطاعات، منها:
الروبوتات: مثل السيارات ذاتية القيادة (Zoox).
تطوير البرمجيات: أنظمة تكتب وتختبر الشيفرة تلقائياً.
خدمة العملاء: روبوتات دردشة متقدمة تحل مشكلات معقدة دون تدخل بشري.
سلاسل التوريد: توقع الطلبات، إدارة المخزون، وتخطيط مسارات التوصيل.
التصنيع: مراقبة الآلات، واكتشاف الأعطال، وتحسين الكفاءة.
الأمن السيبراني: رصد التهديدات والرد الفوري عليها.
التأمين: معالجة المطالبات وتقييم المخاطر تلقائياً.
القطاع المصرفي: التحقق من الدخل والموافقة على القروض.
الرعاية الصحية: تحليل السجلات، رصد المشكلات واقتراح التشخيصات.
وعلى مستوى المستهلك، بدأنا نرى نماذج مثل متصفح Opera الذي يُضمِّن مساعداً ذكياً، أو ميزة جوجل الجديدة في محرك البحث “AI Mode”، أو حتى الوكيل الذكي في نظام Windows الذي يستطيع تغيير إعدادات النظام نيابة عنك.
ماذا عن الثقة والمخاطر؟
كلما زادت قدرة الأنظمة على اتخاذ قرارات دون إشراف بشري، زادت المخاطر.. ماذا يحدث إذا اتخذت قرارات خاطئة؟ من المسؤول حينها: المستخدم أم المطوِّر؟
بهذا الصدد، يُحذِّر “ستون” من أن الخطورة لم تعد في نصيحة خاطئة يقدمها مساعد ذكي، بل في القرارات المستقلة التي قد تؤدي إلى أضرار حقيقية، مثل أن تتسبب سيارة ذاتية القيادة بحادث أو تسلك مساراً خاطئاً.
والخطر يتناسب طردياً مع نوع المهام الموكلة للنظام، فحجز تذكرة طيران يُعد مخاطرة منخفضة، بعكس الوصول إلى بيانات طبية أو إجراء تحويل مالي كبير والذي يعتبر مخاطرة عالية.
ما سبق يؤكد أهمية وجود أنظمة حماية، مثل:
سجلات مفصلة للقرارات.
توثيق خطوات المعالجة.
درجة ثقة النظام في قراراته.
إمكانية تحويل القرار إلى إنسان عند الحاجة.
ماذا ينتظرنا مستقبلاً؟
بالرغم من تصاعد الحديث عن الذكاء الاصطناعي الوكيل، فلن تُصبح هذه الأنظمة جزءاً يومياً من حياتنا في القريب العاجل، وستحتاج إلى سنوات لتكون مُعدَّة بشكل فعلي لمجالات محددة.
يقول ستون:
إن أصررنا على الكمال من هذه الأنظمة، سنفقد فرصة التفوق على الوضع الحالي.
نعم، ستقع أخطاء، لكنها ستتحسن مع الوقت.. فالاتجاه واضح: من ذكاء اصطناعي يُحادثك إلى ذكاء اصطناعي يعمل من أجلك، وعندما نضيف الروبوتات إلى المعادلة، سندخل لعبة مختلفة بالكامل”.
وأنت، متابع بلوك تِك العزيز، هل تبحث عن تقنيات توفر الوقت وتزيد الإنتاجية؟
إذاً، راقب عن كثب تطورات الذكاء الاصطناعي الوكيل، لا تعتبره مجرد صيحة تقنية عابرة، لأنه مستقبل الذكاء الاصطناعي الحقيقي.
المصادر: