تقارير إخبارية

هل تحديث الأجهزة الالكترونية ضرورة تقنية، أم خيار تسويقي تفرضه الشركات العالمية؟

60–70 % من المستهلكين يشعرون بالحاجة لتحديث أجهزتهم رغم أنها صالحة للاستخدام

تهيمن الأجهزة الذكية والمنتجات الإلكترونية على تفاصيل حياتنا اليومية لدرجة أنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ منها، لكن من المؤكد أن الكثير من المستخدمين يلاحظون قصر عمر هذه المنتجات مقارنة بما كانت عليه في العقود الماضية، فما هي الأسباب؟

هل تقف خلف هذا التغير أسباب تقنية، أم هناك دوافع اقتصادية وتسويقية تسهم في تقصير عمر المنتجات عمداً؟

هذه الأسئلة أثارها تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية BBC، حيث سلط الضوء على قضية “التقادم المخطط له”     (Planned Obsolescence)، وهو مصطلح يشير إلى تصميم المنتجات بطريقة تؤدي إلى تقليل عمرها الافتراضي، بغرض تشجيع المستهلكين على شراء نسخ جديدة منها بوتيرة أسرع.

ويشمل هذا المصطلح طيف واسع من المنتجات التي نحتاجها في كل وقت مثل الأجهزة الإلكترونية، السيارات، والأدوات المنزلية.

من الواقعة اليومية إلى التساؤل الأكبر

ينطلق التقرير من ملاحظات شخصية شائعة، مثل سماعات أذن تتوقف عن العمل بعد عام من شرائها أو أحيانا أقل، هاتف ذكي تضعف بطاريته سريعاً، وثلاجة حديثة تتعطل وتكلف صيانتها مبالغ باهظة، ما يدفع للتساؤل: هل الأمر مجرد سوء حظ، أم أن هناك توجهاً واضحاً في تصميم المنتجات لتكون قصيرة العمر؟

في المقابل، يشير التقرير إلى مفارقات لافتة مع أجهزة منزلية عمرها ثلاثون وأربعون عاماً لا تزال تعمل بكفاءة، ما يعكس جودة التصنيع في الماضي وغياب عقلية “الاستهلاك السريع”.

التقادم كاستراتيجية خاضعة للسوق

للإجابة عن هذه التساؤلات يسرد التقرير تاريخ فكرة “التقادم المخطط” والتي ظهرت بشكل واضح في عشرينيات القرن الماضي، مع اتحاد مصنّعي المصابيح الكهربائية المعروف باسم “فويباس” (Phoebus Cartel)، حيث تم الاتفاق على تحديد عمر المصابيح بـ 1000 ساعة فقط لزيادة المبيعات عندما لاحظوا خسارتهم الناجمة عن جودة التصنيع.

ورغم انتهاء هذا الاتحاد مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، استمر العمل بهذه الفلسفة في قطاعات التقنية المختلفة.

وفي عام 1932، طرح سمسار العقارات الأمريكي برنارد لندن اقتراحاً لفرض تقادم مخطط للمنتجات بهدف تحفيز الاقتصاد وإنهاء الكساد الكبير، ومنذ ذلك الحين، تحوّلت هذه الفكرة إلى أداة تسويقية وربحية لشركات التصنيع، عبر تسريع دورة الاستهلاك وزيادة معدل التبديل.


هندسة المستهلك وثقافة التبذير

بالتوازي يشير التقرير إلى الدور المحوري للإعلانات في تعزيز ما يُعرف بـ”هندسة المستهلك”، وهو مفهوم طوّره خبير الإعلانات إرنست كالكينز.

ويقوم هذا المفهوم على فكرة خلق رغبة مستمرة في اقتناء “المنتجات الجديدة” و “التحديث الدائم” وسباق الحصول على النسخة الأحدث حتى وإن لم يكن ذلك ضرورياً.

ولفت إلى أثر هذا المفهوم بأن جعل التخلص من الأجهزة القديمة أمراً طبيعياً رغم قابليتها للاستخدام.

جدير بالذكر أن من بين التكتيكات التي تستخدمها الشركات في إطار هذا المفهوم:

  1. التسويق العصبي: الذي يستهدف العواطف والجوانب النفسية للمستهلكين لجعلهم يشعرون بأنهم بحاجة إلى التحديث.
  2. الابتكار الوهمي: يتم الإعلان من قبل الشركات عن تغييرات بسيطة من إصدار لآخر وتصويرها على أنها ابتكارات ضخمة مثل الكاميرات الجديدة في الهواتف الذكية، وزن وسماكة أقل، زيادة بسيطة في حجم الشاشة، وغيرها من المواصفات.
  3. الملحقات المطلوبة: وهي معدات ملحقة بالأجهزة يدفع ثمنها لكن تصبح لاحقاً غير قابلة للاستخدام مع التحديثات.


أبعاد بيئية واقتصادية خطيرة

ولفت التقرير إلى الأبعاد البيئية المترتبة على هذه الفلسفة في التصنيع والتسويق، معتبراً أن الطريق نحو تقليل “الاستهلاك المفرط” لا يقتصر على تغيير سلوك المستهلك، بل أيضاً يتطلب تحوّلاً في فلسفة التصميم الصناعي.

وشدد على أن إنتاج أجهزة “قابلة للإصلاح“، وذات عمر افتراضي أطول، هو خطوة أساسية نحو بناء اقتصاد يحترم البيئة.

إحصاءات ذات صلة

تشير الإحصاءات الموثقة في عام 2022 إلى أن متوسط عمر الهاتف الذكي يبلغ حوالي 2.5 سنة، وبعدها يبدأ المستخدمون بالترقية أو يواجهون مشكلات في الأداء.

ومن بين مشكلات الأداء الأكثر شيوعاً عمر البطارية القصير حيث تشير دراسة إلى أن أكثر من 30% من بطاريات الهواتف الذكية تأتي بعمر قصير وهذا يستدعي شعوراً دائماً لدى المستخدمين بضرورة شراء جهاز جديد.

كما أظهرت تقارير من المنظمات البيئية أن الأجهزة المنزلية مثل الغسالات أو أجهزة التلفاز لا تدوم طويلاً كما في الماضي مقدرة انخفاض متوسط عمر هذه الأجهزة بنسبة 30-50% خلال العقدين الماضيين.

كما تبين الوقائع أن المنتجات المدمجة مثل الطابعات، أجهزة الكمبيوتر المحمولة، والسيارات تشهد انخفاضاً في الصيانة المتاحة والمكونات القابلة للتبديل، وأن التقنيات الحديثة مثل 5G والواقع المعزز، والذكاء الاصطناعي تضغط على المستهلكين لامتلاك الأجهزة الأكثر تقدماً.

كما تظهر إحصاءات التسويق من ماكينزي McKinsey أن 60–70% من المستهلكين في بعض الدول، خاصة في الأسواق الناشئة، لديهم شعور بالحاجة إلى شراء أحدث الإصدارات من المنتجات حتى لو كانت أجهزتهم الحالية صالحة للاستخدام ولا عيب فيها.

وهذه الإحصائيات دليل مباشر وتجسيد حي لنظريات التصنيع والتسويق التي تم الحديث عنها سابقاً التي تكسب الشركات العالمية أرباحاً توليدية هائلة فقط من مبيعات استبدال المنتجات بشكل متكرر.

وما بين هذا وذاك، يعاني الكوكب بصمت وخضوع من قصور إدراك البعد البيئي لهذه الفلسفات والسياسات والتكتيكات والأنماط من الاستهلاك، والتي أنتجت حسب تقرير للأمم المتحدة في عام 2019 مايقدر بـ “53.6” مليون طن من النفايات الإلكترونية.

المصادر
BBC
Fastercapital
Renovablesverdes
Mckinsey

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى