أخبار التقنيةالتغطياتمقالات

الطباعة ثلاثية الأبعاد: ثورة طبية في الرعاية الصحية

تخصيص الرعاية الصحية أصبح ممكناً بفضل الطباعة ثلاثية الأبعاد

تُحدث الطباعة ثلاثية الأبعاد في الرعاية الصحية تحولًا جذريًا في طريقة تقديم الخدمات الطبية، حيث تنتقل من الحلول المُعمَّمة إلى علاجات مخصصة مصمَّمة لتلبية احتياجات كل مريض بشكل فردي. فعلى سبيل المثال، يعمل الباحثون حالياً على تطوير أطراف صناعية ثلاثية الأبعاد للأطفال باستخدام مواد خفيفة الوزن وأنظمة تحكم قابلة للتعديل، بما يضمن ملاءمة مثالية ونمواً متزامناً مع تطور أجسامهم.

تشير هذه التطورات المستمرة في مجال الأطراف الصناعية المطبوعة إلى تزايد إمكانية الوصول إليها وانخفاض تكلفتها. 

كما تُبرز قصص نجاح الأطراف المُخصصة،-بشكل فردي- الفوائدَ الكبيرةَ لتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، حيث يتم إنشاء نموذج رقمي باستخدام برامج التصميم بمساعدة الحاسوب (CAD)، ثم يُحوَّل إلى طابعة ثلاثية الأبعاد تُنتِج الجسم طبقة تلو الأخرى.

 

أجزاء جسم أفضل بفضل الطباعة ثلاثية الأبعاد

 

بدأ استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في الطب في ثمانينيات القرن الماضي، عندما استخدم العلماء تقنيات مثل “الاستريوليثوغرافي” (Stereolithography) لصنع نماذج أولية طبقة تلو الأخرى. وتعتمد هذه التقنية على شعاع ليزر يتم التحكم به بواسطة الحاسوب لتصلّب مادة سائلة وتحويلها إلى أشكال ثلاثية الأبعاد دقيقة. سرعان ما أدرك القطاع الطبي إمكانيات هذه التقنية في صنع زرعات وأطراف صناعية مخصصة لكل مريض.

من أولى التطبيقات في هذا المجال كانت هياكل الأنسجة (Tissue Scaffolds) التي تدعم نمو الخلايا. فعلى سبيل المثال، دمج باحثون من مستشفى بوسطن للأطفال هذه الهياكل مع خلايا مأخوذة من جسم المريض لبناء مثانات بديلة. وقد استمر المرضى في التمتع بصحة جيدة لسنوات بعد زرع هذه المثانات، مما برهن على أن الهياكل المطبوعة يمكن أن تتحول إلى أجزاء جسمية متينة.

ومع تقدم التكنولوجيا، تحوّل التركيز نحو الطباعة الحيوية (Bioprinting)، التي تعتمد على خلايا حية لإنشاء تراكيب تشريحية وظيفية. ففي عام 2013، طورت شركة Organovo أول نسيج كبدي حي مطبوع ثلاثي الأبعاد في العالم، ما فتح المجال أمام آفاق مثيرة لصناعة الأعضاء لأغراض الزرع. ومع ذلك، ما زال إنشاء أعضاء كاملة مثل الكبد لاستخدامها في عمليات الزرع في طور البحث، ويركِّز العلماء حالياً على تطوير أنسجة أصغر وأكثر بساطة، وتحسين تقنيات الطباعة الحيوية، لزيادة فعالية الخلايا واستقرارها.

3D Printing for Medical Applications: Products & Materials - Shapeways Blog

 

أطراف صناعية وزرعات مطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد

 

أحدثت الأطراف الصناعية ثلاثية الأبعاد بالفعل ثورة في هذا المجال، إذ بات بإمكان المتخصصين إنتاج أجهزة مخصصة وبتكلفة منخفضة تتناسب تماماً مع احتياجات كل مريض، حيث يمكن تعديل تصميم هذه الأطراف بما يتماشى مع نمو الأطفال، وتحديثها بسهولة عند الحاجة.

وبالنسبة للزرعات، مثل استبدال مفصل الورك أو الفقرات، فإن الطباعة ثلاثية الأبعاد تُوفِّر تطابقاً دقيقاً مع تشريح المريض، مما يُحسن من تكاملها مع الجسم مقارنة بالزرعات التقليدية التي تأتي بأحجام وأشكال موحدة.

كما تلقى بعض المرضى زرعات وجه مخصصة من التيتانيوم بعد تعرضهم لحوادث، وتمت إعادة تشكيل أجزاء من جماجمهم باستخدام طباعة ثلاثية الأبعاد. وفي مجال طب الأسنان، تستخدم بعض الشركات، مثل Invisalign، الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنتاج تقويمات مخصصة لتقويم الأسنان، مما يُجسِّد التخصيص الكامل في علاج الأسنان أيضاً.

2022 Predictions: Medical 3D Printing Is Disrupting Healthcare - 3DPrint.com | The Voice of 3D Printing / Additive Manufacturing

 

مواد جديدة وتقنيات مستقبلية

 

يستكشف العلماء مواد متقدمة مثل الزجاج الحيوي ذاتي الالتئام، الذي يُمكن أن يحِل محل الغضاريف التالفة. فيما يجري تطوير تقنية الطباعة رباعية الأبعاد (4D Printing)، التي تتيح للأجسام المطبوعة التغير مع مرور الوقت، مما يقودنا -غالباً- نحو تطوير أجهزة طبية تتكيف تلقائياً مع احتياجات الجسم.

على سبيل المثال، يعمل الباحثون على تطوير دعائم شريانية مطبوعة ثلاثياً يمكنها الاستجابة لتغيرات تدفق الدم، عبر التمدد أو الانكماش حسب الحاجة، مما يقلل من احتمالية الانسداد ويحسّن النتائج الصحية على المدى الطويل.

Future of Healthcare: The Booming Medical 3D Printing Market

نماذج جراحية مطبوعة ثلاثيًّا لتخطيط العمليات

 

تُستخدم النماذج التشريحية المطبوعة ثلاثيًّا بشكل متزايد لمساعدة الجراحين في التخطيط للعمليات الجراحية المعقدة. وتُصنع هذه النماذج من صور الأشعة السينية والتصوير المقطعي (CT)، مما يتيح للأطباء محاكاة الإجراءات قبل تنفيذها فعلياً.

على سبيل المثال، يمكن للأطباء محاكاة جراحات معقدة بدقة عالية باستخدام نموذج ثلاثي الأبعاد لقلب طفل، وقد ثبت أن هذه التقنية تؤدي إلى تقليص زمن الجراحة، وتقليل المضاعفات، وخفض التكاليف.

The engineer demonstrates the heart printed on a 3d printer

الأدوية المخصصة عبر الطباعة ثلاثية الأبعاد

 

في مجال صناعة الأدوية، تتيح الطباعة ثلاثية الأبعاد إمكانية إنتاج جرعات مخصصة للأدوية وأنظمة توصيل مبتكرة. حيث يمكن التحكم بدقة في كل طبقة من مكونات الدواء لتناسب احتياجات كل مريض على حدة. وقد وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) في عام 2015 على دواء Spritam المضاد للصرع، وهو أول دواء مطبوع ثلاثي الأبعاد، لاحتوائه على جرعة عالية من المادة الفعالة في صورة قابلة للذوبان السريع.

وتُستخدم حالياً أنظمة تصنيع الأدوية بالطباعة ثلاثية الأبعاد في المستشفيات والصيدليات، مما يتيح إعداد خطط علاجية مخصصة بناءً على عمر المريض وحالته الصحية.

ومع ذلك، لا زلنا بحاجة إلى تطوير تنظيمات واضحة للأدوية المطبوعة ثلاثية الأبعاد، إذ أن عمليات ما بعد الطباعة قد تؤثر على استقرار المكونات الدوائية. إضافة إلى تحديد ما إذا كانت عملية الطباعة يجب أن تتم في المستشفيات أو الصيدليات أو حتى في المنازل. ومن المُفترض أن تُحدد تدريبات مخصصة للصيادلة قبل استخدام هذه الأنظمة المتطورة.

Opinion article: 3D Printing: a new era for customized medicine?

 

التحديات المستقبلية والفرص الواعدة

رغم التقدم السريع في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد في الطب، لا تزال هناك تحديات كبيرة، على رأسها ضرورة ضمان جودة وسلامة المنتجات الطبية المطبوعة. كما تُشكِّل تكلفة المعدات والمواد عائقاً أمام مُقدِّمي الخدمات في بعض المناطق الفقيرة أو النامية.

كما يُشكل نقص الكوادر المُدرَّبة أحد أبرز التحديات الأخرى، إضافة إلى عدم وجود معايير موحدة، مما يحد من انتشار استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في المؤسسات الطبية خلال الفترة القريبة المقبلة.

من ناحية أخرى، يُعد الذكاء الاصطناعي حاسماً لتحسين جودة المنتجات الطبية المطبوعة بفضل قدرته على تحليل بيانات المرضى بدقة لتصميم زرعات وأطراف صناعية مخصصة بشكل أفضل. 

على سبيل المثال، يمكن استخدام تقنيات التعلم الآلي لتحويل صور الآشعة المقطعية إلى نماذج دقيقة، ما يُساعد على صناعة زرعات تتطابق تماماً مع جسم المريض.

كما يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي التنبؤ بمواطن الضعف في الأطراف الصناعية المطبوعة وتقديم تحسينات تصميمية تزيد من متانتها وسلامتها.

 

آفاق مذهلة للطباعة داخل الجسم

 

تتجاوز تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد في الطب حدود الجسم نفسه، فقد طور باحثون في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا تقنية تستخدم الموجات فوق الصوتية لتحويل سائل داخل الجسم إلى هلام بأشكال ثلاثية الأبعاد. ويمكن استخدام هذه التقنية مستقبلًا لتوصيل الأدوية أو استبدال الأنسجة.

فيما تُشير المعطيات الراهنة إلى دور واعد ستتخذه الطباعة ثلاثية الأبعاد في مجال الرعاية الصحية مستقبلًا، يركز على تقديم خطط علاجية مخصصة لكل مريض، من خلال دمج التكنولوجيا، وعلوم المواد، والذكاء الاصطناعي. 

ومع استمرار تطور هذه التقنيات، فإننا بصدد ثورة تقنية طبية حقيقية في أساليب وكيفية تشخيص الأمراض، وآليات علاجها، بما يتماشى مع الخصائص الفردية لكل مريض.

 

المصادر: 

مصدر 1 

مصدر 2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى