مقالات

هل يسرق الذكاء الاصطناعي دور الوسطاء العقاريين في الإمارات؟

من جولة افتراضية إلى عقد رقمي: شراء منزل في الإمارات أصبح بضغطة زر

 

في مشهد العقارات المتطور دوماً في الإمارات، يبرز وسيط عقاري من نوع جديد، لا يعتمد على الحدس أو الكاريزما كالمعتاد، بل تغذِّيه الخوارزميات والذكاء الاصطناعي. 

من روبوتات الدردشة التي توفِّق بين المشترين والعقارات في ثوانٍ، إلى العقود الذكية التي تُنفَّذ بها صفقات بملايين الدراهم بنقرات قليلة؛ باتت التكنولوجيا تُؤتمت الوظائف الأساسية في الوساطة العقارية بوتيرة متسارعة.. هذه الثورة الرقمية ليست بعيدة المنال، بل تحدث الآن.

في عام 2023 على سبيل المثال، سجَّلت دبي صفقات عقارية تتجاوز 528 مليار درهم إماراتي، فيما تُدار نسبة متزايدة من هذه الصفقات عبر منصات تكنولوجيا العقارات (PropTech) بدلاً من الوكلاء التقليديين. 

وفي ضوء ما سبق، تنتشر حالياً أطروحة جريئة تكتسب زخماً في دوائر التكنولوجيا تفيد بأن الذكاء الاصطناعي لن يساند الوسطاء فحسب، بل سيستبدلهم في العديد من الأدوار. 

 

وسطاء الذكاء الاصطناعي يعملون على مدار الساعة

أول نقطة تَماسٍّ بين الباحث عن عقار والمنصة العقارية اليوم غالباً ما تكون عبر موقع إلكتروني أو تطبيق، وهنا يتجلى دور الذكاء الاصطناعي.


على سبيل المثال “BayutGPT”، أول مساعد بحث عقاري مدعوم بالذكاء الاصطناعي في العالم، أُطلق في عام 2025، وأصبح بإمكان أي شخص يبحث عن منزل في دبي أو أبوظبي أن يتحاور مع هذا المساعد وكأنه يتحدث إلى وكيل عقاري حقيقي، فيسأله مثلاً: 

ميزانيتي 2 مليون درهم، أُفضِّل حيَّاً هادئاً قريباً من مدارس جيدة.. ما الخيارات المتاحة؟

 

في ثوانٍ معدودة، يقوم الذكاء الاصطناعي بتمشيط آلاف القوائم العقارية ويقترح الأحياء والعقارات المناسبة، حتى إنه يعرض بيانات العائد على الاستثمار والاتجاهات السعرية مباشرة، كما يمكنه الإجابة على أسئلة مُفصَّلة حول المجتمعات السكنية، والمبيعات الحديثة، وحساب الرسوم المرتبطة بالصفقة.

تُقدِّم هذه الخدمة، المتاحة دائماً، والمُخصصة بدرجة عالية، حلاً مثالياً للجيل الرقمي من المستثمرين العالميين والعملاء المقيمين في الإمارات.. فكثير منهم مستثمرون من الخارج أو وافدون في مناطق زمنية مختلفة، فيما لا يمانع مساعد الذكاء الاصطناعي من استقبال طلب في الساعة 3 فجراً، بل سيرسل قائمة بالفلل ذات الإطلالة البحرية أثناء نومك.

أما الأنظمة الأكثر تقدماً مثل “Sai Dubai” التابعة لشركة Seqoon، فهي قادرة على قراءة المقالات والمراجعات عبر الإنترنت لتقديم سياق غني عن أي مبنى أو حيِّ، لتقوم بدور الوسيط والباحث معاً. 

والنتيجة؟ يستطيع العميل الوصول إلى تحليل شامل وغير متحيِّز للسوق دون تدخُّل بشري في كل خطوة.

 

الجولات الافتراضية وإغلاق الصفقات رقمياً

من أكثر الجوانب الملموسة لتحوّل الوساطة إلى النمط الرقمي: تحويل جولات المشاهدة التقليدية إلى تجربة افتراضية شاملة.. ففي السابق، كان الباحث عن منزل يمضي أياماً وأسابيع يتنقل بين العقارات مع وسيط. 

أما اليوم، باتت الجولات الافتراضية بتقنية 3D عالية الجودة، والمرئية عبر متصفح الويب أو نظارات الواقع الافتراضي، من الأساسيات في سوق العقارات الإماراتي، حيث يمكنك التجول داخل بنتهاوس في وسط دبي أو فيلا في جزيرة السعديات وأنت جالس في بلدك. 

وبفضل أدوات الواقع المعزز، يمكنك إعادة تصميم الغرف أو تغيير الإضاءة لتناسب ذوقك، وكل ذلك مدعوم بخوارزميات ذكاء اصطناعي متقدمة.. والأكثر دهشة أن الواقع المعزز لا يقتصر على المشاهدة فقط، بل يمتد ليشمل كامل عملية الشراء.

أطلقت دائرة الأراضي والأملاك في دبي مبادرة قائمة على تقنية البلوك تشين تتيح نقل ملكية العقار بسرعة وأمان وبلا تدخّل بشري يذكر.. ففي السابق، كان الوكلاء القانونيون والعقاريون يتحققون من المستندات وتنسيق المدفوعات والتواصل مع البنوك، وهي إجراءات كانت تستغرق أياماً أو حتى أسابيع، أما اليوم، بفضل العقود الذكية، يمكن استكمال كل ذلك في دقائق.

 

مثال واقعي: ينجز بعض العملاء الدوليين صفقات شراء كاملة من هواتفهم أثناء تواجدهم في الخارج، مع التحقق الرقمي للعقود ونقل الملكية عبر البلوك تشين، وهو سيناريو كان غير وارد قبل عشر سنوات فقط.

 

 

تسعير أدق.. وتنبؤات ذكية

كان تقييم العقارات دائماً من اختصاص الوكلاء المخضرمين، لكن الذكاء الاصطناعي دخل هذا الميدان بقوة. فنموذج التقييم الآلي (AVM) المعتمد في عدة منصات إماراتية يحلل بيانات الموقع، وصفات العقار، والمبيعات الحديثة، وحتى “مزاج السوق” عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليُقدِّم تقييماً دقيقاً خلال ثوانٍ.

هذا النموذج ليس تجريبياً، بل فعَّال ومستخدَم الآن، وحسَّن بالفعل معدلات إتمام الصفقات بين المطوِّرين بفضل تقليل الفجوة بين تقديرات السعر وتوقعات السوق.

والأكثر من ذلك، يُمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية مثل توقع زيادة بنسبة 10٪ في أسعار حي معين، أو العائد الإيجاري المتوقع في مشروع جديد بأبوظبي. 

يستخدم المستثمرون هذه البيانات في توقيت شراءهم أو بيعهم، ما يقلل اعتمادهم على رأي وكيل عقاري تقليدي.

وحتى مجال التفاوض، آخر معقل يُقال إن الذكاء الاصطناعي لا يستطيع اقتحامه، بدأ يتأثر بالفعل، حيث تدعم أدوات التفاوض الذكية المستخدمينَ بمعلومات آنية أثناء النقاش، مثل الصفقات المقارنة، أو تحليل رغبات البائع أو المشتري، وقد نجحت بعض الأنظمة التجريبية في التفاوض بأسعار قريبة من نتائج المحترفين.

بالنظر إلى أن هذه التكنولوجيا قد تُخفض التكاليف بنسبة تصل إلى 40-50% عبر تقليص دور الوسطاء، فإن الحافز الاقتصادي وحده كافٍ لدفع الشركات والعملاء إلى تبنِّي هذه الحلول الرقمية.

 

الجيل الرقمي يُفضّل الصفقات الرقمية

تُعد تفضلات المستهلكين هي القوة الدافعة الكبرى نحو إحلال الذكاء الاصطناعي محل الوسطاء، لا سيما بين أوساط جيل الألفية و”الجيل زي”.. وبهذا الصدد، تبلغ نسبة انتشار الهواتف الذكية نحو 98% في الإمارات،، وتُدار الخدمات الحكومية رقمياً، وتبرز ثقة عالية بالمعاملات الرقمية.

يُفضِّل هذا الجيل السرعة، والشفافية، والتحكم المباشر، وهو ما توفِّره منصات الذكاء الاصطناعي، فلم تعد هناك حاجة لانتظار موعد مع وسيط كي تسأل عن متوسط سعر المتر المربع في الخليج التجاري، إذ يمكن للمساعد الرقمي الإجابة فوراً، مع تقديم اقتراحات مخصصة للعقارات المناسبة.

كما تُفضِّل هذه الفئة (جيل زي تحديداً) استكشاف السوق بمفردها دون ضغط مبيعات، وتثق أكثر بالمنصات الذكية التي تُقدُّم معلومات محايدة وتحليلات تستند إلى بيانات دقيقة، ومع كل تجربة ناجحة -مع تتطابق توقعات الذكاء الاصطناعي مع واقع السوق- تزداد الثقة بهذه الأدوات.

في السياق نفسه، بدأت الشركات الكبرى بالتكيف مع هذا التوجه، عبر توفير نماذج هجينة عبارة عن منصات رقمية كاملة تُتيح للمستخدم طلب المساعدة البشرية عند الحاجة فقط، وهذا النمط قد يكون النموذج المُفضَّل مستقبلاً.

هل حان وقت خروج الوسطاء من المشهد؟

عند جمع كل المؤشرات، مثل تطور الذكاء الاصطناعي، والرقمنة الشاملة، وانخفاض التكاليف، وتغير تفضيلات العملاء، تتضح صورة مستقبل عقاري مختلف تماماً.

بهذا الصدد، تتوقع بعض الجهات أن تدير منصات الذكاء الاصطناعي معاملات كاملة بين الأفراد في غضون عامين، وأن تتم أتمتة 60-80% من مهام الوسيط العقاري بحلول 2030.

وحتى لو لم تُستبدل جميع المهام البشرية، فمن المؤكد أن حصة كبيرة من مهام الوسطاء ستتقلص أو تُنتقل إلى التكنولوجيا.

من المتوقع أن تنجح الشركات التي تتبنى هذا التحول في تقليص حجم فرقها، وزيادة حجم معاملاتها، وخفض التكاليف، مما يضغط على الوكالات التقليدية لتحديث نماذجها أو فقدان حصتها السوقية.

فيما يُتوقع أن يظل الوسطاء البشريون في المشهد، ولكن بأدوارأكثر تخصصية مثل الصفقات الفاخرة، أو الاستشارات المعقدة، أو خدمة العملاء عالية المستوى.. أما معاملات البيع والشراء اليومية، فقد تُدار بالكامل عبر الذكاء الاصطناعي.

يمكن القول إن البيئة التقنية المتقدمة في الإمارات، إلى جانب جيل من المستثمرين الشباب الذين يفضلون الحلول الرقمية، تجعل من السوق الإماراتي أرضاً خصبة لسيطرة الذكاء الاصطناعي على قطاع الوساطة العقارية.

فالذكاء الاصطناعي بات قادراً على البحث، والمقارنة، والإجابة، والتقييم، والتفاوض، وإتمام الصفقات.. ومع تطور هذه القدرات سنوياً، ستتقلَّص المساحة المتروكة للوسيط البشري بطبيعة الحال.

 

لم يعد السؤال الآن حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيأخذ حصة من عمل الوسطاء، بل متى؟ 

وهل سيتمكن الوسطاء من إعادة ابتكار أنفسهم للبقاء في اللعبة؟

 

المصادر:

thetechnologyexpress

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى