الأمم المتحدة تطلق ثلاث صرخات في وجه التطور السريع للذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يكون "نادٍ للقلة"، بل يجب أن يفيد الجميع خاصة الدول النامية

أطلقت الأمم المتحدة ثلاث مناشدات على مستوى العالم في أسبوع واحد ضد عسكرة الذكاء الاصطناعي، ونشره دون فهم عام كافٍ أو إشراف سياسي محكم، والتهديدات المتزايدة لحرية التعبير والخصوصية.
جاء ذلك خلال قمة مجموعة البريكس في ريو دي جانيرو بالبرازيل التي حضرها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ، وقمتين استضافتهما مدينة جنيف السويسرية، الأولى قمة الذكاء الاصطناعي من أجل الخير، والثانية القمة العالمية لمجتمع المعلومات خلال الأسبوع الماضي.

غوتيريش: عسكرة الذكاء الاصطناعي تهديد في عالم يحتاج إلى السلام
خلال قمة البريكس، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه إزاء عسكرة الذكاء الاصطناعي في عالم يحتاج إلى السلام أكثر من أي وقت مضى، مؤكداً ضرورة سد الفجوة الرقمية في العالم وتسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي بالكامل للنمو الشامل والتنمية المستدامة.
ودعا غوتيريش إلى استجابة متعددة الأطراف لتطور الذكاء الاصطناعي تقوم على المساواة وحقوق الإنسان، مشدداً على ضرورة إشراك الدول النامية في حوكمة هذا المجال المتسارع.
وأوضح الأمين العام أن الذكاء الاصطناعي يُعيد تشكيل الاقتصادات والمجتمعات، منبهاً إلى أن “الاختبار الأساسي يكمن في مدى حكمتنا في توجيه هذا التحول، وكيفية تقليل المخاطر وتعظيم الإمكانات من أجل الخير”.
وأكد غوتيريش أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يكون “نادٍ للقلة”، بل يجب أن يفيد الجميع، وخاصة الدول النامية التي يجب أن يكون لها صوت حقيقي في حوكمة الذكاء الاصطناعي العالمية.
وأوضح أنه سيقدم قريبا تقريراً يحدد خيارات تمويل طوعية مبتكرة لدعم بناء قدرات الذكاء الاصطناعي في البلدان النامية داعياً مجموعة البريكس إلى دعم هذه الجهود.
وشدد الأمين العام للأمم المتحدة على أهمية إصلاح مجلس الأمن والهيكل المالي الدولي ومواكبة العصر بما يمكنهما من “حكم الذكاء الاصطناعي بفعالية وعدالة دون مواجهة اختلالات هيكلية أعمق في النظام العالمي”.
بوغدان مارتن: نواجه خطر سباق دمج الذكاء الاصطناعي في كل مكان
من جهتها حذرت دوريين بوغدان مارتن رئيسة الاتحاد الدولي للاتصالات وهي وكالة الأمم المتحدة المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من تزايد المخاطر في نشر الذكاء الاصطناعي دون فهم عام كافٍ أو إشراف سياسي.
وقالت في كلمتها الرئيسية في قمة الذكاء الاصطناعي: إن “أكبر خطر نواجهه ليس أن يقضي الذكاء الاصطناعي على الجنس البشري .. إنه سباق دمج الذكاء الاصطناعي في كل مكان، دون فهم كافٍ لما يعنيه ذلك للناس ولكوكبنا”.
وتابعت: “نحن جيل الذكاء الاصطناعي لكن كوننا جزءاً من هذا الجيل يعني أكثر من مجرد استخدام هذه التقنيات”، مضيفة أن “هذا يعني المساهمة في الجهد الشامل للمجتمع لرفع المهارات، من التعليم المبكر إلى التعلم مدى الحياة”.
ومع توقع بعض الخبراء لوجود نماذج للذكاء الاصطناعي بمستويات تفوق القدرات البشرية في غضون السنوات الثلاث القادمة، ذكرت المسؤولة الأممية المشاركين أن مستقبل الذكاء الاصطناعي مسؤولية مشتركة.
وقالت: “دعونا لا نتوقف أبداً عن وضع الذكاء الاصطناعي في خدمة جميع الناس وكوكبنا”.
تورك: حقوق الإنسان في صميم التحول الرقمي
بدوره المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك حذر قبل يوم من قمة الذكاء الاصطناعي من “المخاطر الجدية” المترتبة على وتيرة تطور التقنيات الرقمية داعياً إلى وضع حقوق الإنسان في صميم التحول الرقمي.
وأشار تورك إلى أن التقنيات الرقمية تمتلك القدرة على دفع التقدم وتعزيز الحقوق، بما في ذلك ربط الناس، وتحسين الوصول إلى الصحة والتعليم، وغير ذلك الكثير، لكن وتيرة تطورها تشكل مخاطر جدية تتراوح من القيود على حرية التعبير وانتهاكات الخصوصية إلى التمييز والتهديدات المتزايدة لشعورنا المشترك بالحقيقة والواقع.
وقال: “في مواجهة هذا التغيير الهائل بالتحديد، نحتاج إلى المزيد من حقوق الإنسان، لا أقل”، مشدداً على ضرورة إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان واستخدامها كخارطة طريق للعمل في هذه اللحظة من التغيير الجذري.
وأكد أن “الالتزامات القانونية للدول وواجبات الشركات باحترام حقوق الإنسان تقدم إرشادات لمكافحة المعلومات المضللة وحماية بياناتنا من الاستخدام غير المشروع”، مضيفاً أن هذه الإرشادات تساعد أيضا في مكافحة التحيز الخوارزمي، وخطاب الكراهية الرقمي، وتعزز الثقة واتخاذ القرارات الرقمية الشاملة.
وشدد المفوض السامي على أن الأشهر القادمة ستشهد قرارات حاسمة بشأن تنظيم المجال الرقمي، بما في ذلك آليات الأمم المتحدة الجديدة بشأن الذكاء الاصطناعي وحوكمة البيانات.
واختتم حديثه بالقول: “لدينا فرصة لإحداث فرق” داعياً الدول، شركات التكنولوجيا، المنظمات الدولية، المجتمع المدني، وغيرهم- للعمل نحو بيئة رقمية شاملة ومفتوحة للجميع، في كل مكان”.

قمة الأمم المتحدة للذكاء الاصطناعي: مستقبل التقنية لخدمة البشرية
وكانت فعاليات قمة الأمم المتحدة العالمية للذكاء الاصطناعي انطلقت تحت شعار “الذكاء الاصطناعي من أجل الخير” في الفترة بين 8 و11 يوليو 2025 بمشاركة نخبة من الحكومات، قادة صناعة التقنية، المؤسسات الأكاديمية، المجتمع المدني، والشباب في ظل تسارع تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي بما يفوق قدرة التشريعات على مواكبتها.
المحاور الرئيسية لقمة الذكاء الاصطناعي
العروض التقنية
تم خلال القمة عرض أكثر من 200 أداة ذكية مبتكرة على مساحة 20 ألف متر مربع تقدم حلولاً ملموسة في مجالات مثل التعليم الذكي، التكيف مع التغير المناخي والاستجابة للكوارث، الروبوتات الزراعية المستقلة، الأنظمة الصحية ذاتية التنظيف، مراقبة التنوع البيولوجي بالطائرات دون طيار، أجهزة استشعار بيئية مستوحاة من الأسماك، واجهات دماغية حاسوبية.

ورشات العمل
عقدت فعاليات تدريبية وجلسات نقاش حول الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية والتعليم، إضافة إلى الأخلاقيات، والمساواة بين الجنسين، والحوكمة العالمية.
حوكمة الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية في قلب النقاشات
ناقش الخبراء سبل إدارة التقنية وتوجيهها نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مع التركيز على الحد من التفاوت الرقمي، وتقليل انتشار المعلومات المضللة، والتصدي لتأثيرات الذكاء الاصطناعي على البيئة.
وركز الخبراء على الفجوة التنظيمية العالمية، حيث كشف استطلاع للاتحاد الدولي للاتصالات أن 85٪ من الدول لا تمتلك سياسات واضحة للذكاء الاصطناعي، ما يهدد بتفاقم الفجوات التقنية والتنموية.
كما خصصت القمة جلسات رائدة لبحث تأثير الذكاء الاصطناعي على الصحة العامة، قادتها منظمة الصحة العالمية بجلسة تحت عنوان “تمكين الذكاء الاصطناعي لابتكار الصحة والوصول إليها”.
وتطرقت الجلسة لتطبيقات عملية مثل: الفرز الطارئ المدعوم بالذكاء الاصطناعي، أدوات تشخيص للعيادات الريفية، تقنيات الرصد الحيوي عبر الطائرات المسيّرة.
كما ناقش الخبراء التحديات المتعلقة بقابلية التشغيل البيني، والامتثال التنظيمي، والملكية الفكرية عند تقاطع الذكاء الاصطناعي بالصحة العالمية.
جوائز “الذكاء الاصطناعي من أجل الخير”
وعلى هامش الفعاليات تم تكريم المشاريع الريادية في استخدام الذكاء الاصطناعي لخدمة الصالح العام، ضمن فئات تركز على الإنسان، والبيئة، والازدهار الاقتصادي.
القمة العالمية لمجتمع المعلومات: منصة أممية لتمكين الحوكمة الرقمية
تعد القمة العالمية لمجتمع المعلومات (WSIS) مبادرة متعددة الأطراف أطلقتها الأمم المتحدة في عام 2001 لتعزيز الحوكمة الرقمية والتعاون بين أصحاب المصلحة على مستوى عالمي، بهدف بناء مجتمعات معلومات ومعرفة تتمحور حول الإنسان، وتكون شاملة وموجهة نحو تحقيق التنمية المستدامة.
وكان من بين المكرمين على هامش القمة منصة ” تم “ الذكية التابعة لحكومة أبو ظبي حيث حصلت على جائزة أفضل مشروع حكومي إلكتروني، كما فازت منصة “ضماني” الوطنية للتأمين الصحي بالمركز الخامس عالميّاً لتعكس هذه الانجازات المكانة المرموقة التي وصلت إليها دولة الإمارات العربية وسلطنة عمان في مجال الخدمات الحكومية الالكترونية.
المصادر
منظمة الأمم المتحدة
الاتحاد الدولي للاتصالات