أول بنك رقمي في مصر: خطوة جديدة نحو الاقتصاد الرقمي
تجربة مصرفية قائمة بالكامل على القنوات الرقمية دون الاعتماد على الفروع التقليدية

أصبح التحول الرقمي واقعاً لا يمكن تجاهله في القطاع المصرفي المصري بعد إعلان البنك المركزي المصري مؤخراً عن منح الترخيص الرسمي لإنشاء أول بنك رقمي متكامل في البلاد تحت اسم “وان بنك” (onebank)، ليكون تجربة مصرفية قائمة بالكامل على القنوات الرقمية دون الاعتماد على الفروع التقليدية.
يعود أصل المشروع إلى عام 2020، حين تأسست شركة مصر للابتكار الرقمي (MDI) بدعم من بنك مصر، كجزء من استراتيجية الدولة لتعزيز التكنولوجيا المالية وفتح الباب أمام خدمات مصرفية حديثة تتماشى مع الاقتصاد الرقمي العالمي.
وان بنك: أكثر من مجرد حساب مصرفي
لا يقتصر دور البنك الرقمي الجديد على تقديم خدمات تقليدية عبر تطبيق إلكتروني، بل يسعى إلى تحقيق رؤية أشمل ترتبط بمستقبل الاقتصاد المصري.. ومن أبرز أهدافه:
- الشمول المالي: الوصول إلى الفئات غير المشمولة مصرفياً أو التي تعاني صعوبة في الحصول على خدمات مالية مناسبة.
- تعزيز الاقتصاد الرقمي: ترسيخ التحول الرقمي كأحد ركائز التنمية الاقتصادية.
- ابتكار الحلول المالية: توفير تجربة مصرفية قائمة على الأمان والسهولة والسرعة باستخدام أحدث التقنيات الرقمية.
ومن المقرر أن يبدأ البنك في تقديم خدماته رسمياً خلال العام المقبل، ليطرح منتجات وحلول مصرفية مبتكرة للأفراد والشركات.
تجربة مصرفية رقمية متكاملة
بهذا الصدد، أوضح المهندس خالد العطار، رئيس مجلس إدارة “وان بنك”، أن جميع المعاملات المالية ستتم عبر تطبيق موحد يمنح العملاء تجربة سلسة لإدارة حساباتهم، وإجراء تحويلاتهم، ومتابعة أموالهم لحظة بلحظة.
أشار العطار أيضاً إلى امتلاك مصر تجربة ناجحة بالفعل في الخدمات المالية الرقمية، أبرزها منصة “إنستاباي” التابعة للبنك المركزي، والتي يستخدمها ملايين المصريين بأمان لإجراء التحويلات اللحظية. معتبراً أن البنك الجديد سيلتزم بالمعايير العالمية في الأمن السيبراني لحماية بيانات العملاء وأموالهم في بيئة رقمية مؤمنة بالكامل.
التحديات: من تقبل الفكرة إلى بناء الثقة
يُعدُّ إطلاق أول بنك رقمي في مصر يمثل طفرة نوعية، لكن التحدي الحقيقي يكمن في إقناع المواطنين بالتعامل مع بنك بلا فروع تقليدية، حيث يُشبِّه “العطار” الأمر بتجربة البطاقات المصرفية التي واجهت مقاومة عند ظهورها قبل ثلاثة عقود، فيما أصبحت اليوم جزءاً أساسياً من الحياة اليومية.
ومن المتوقع أن تكون الأجيال الشابة الأكثر استعداداً لفتح حسابات رقمية بفضل قربهم من التكنولوجيا، بينما قد يستغرق الأمر وقتاً أطول مع الفئات الأكبر سناً التي لا تزال أكثر ارتباطاً بالنظم التقليدية.
ومن غير المستبعد أيضاً أن يشهد السوق المصري ظهور مزيد من البنوك الرقمية في السنوات المقبلة، فمن شأن تعدد اللاعبين في السوق أن يخلق منافسة إيجابية ويحفز الابتكار وجودة الخدمة.
الشمول المالي في مصر: أرقام ودلالات
يُشكِّل تعزيز الشمول المالي أحد الركائز الأساسية لإستراتيجية الدولة في التحول الرقمي، إذ تشير البيانات الرسمية إلى أن نحو 52 مليون مواطن يمتلكون حسابات نشطة تتيح لهم إجراء معاملات مالية منتظمة عبر البنوك أو البريد أو المحافظ الإلكترونية أو البطاقات مسبقة الدفع، من إجمالي 69.6 مليون شخص فوق سن 15 عاماً.
وبنهاية 2024، ارتفعت معدلات الشمول المالي إلى 74.8%، مقارنة بـ 70.7% في نهاية 2023، ومع ذلك، ما تزال أقل من المستهدف.
ومن بين الخطوات الداعمة لهذا المسار، خفض البنك المركزي سن فتح الحسابات المصرفية إلى 15 عاماً فقط، بما يتماشى مع سن إصدار بطاقة الرقم القومي.
من هم المستفيدون من البنوك الرقمية؟
ترى سهر الدماطي، نائبة رئيس بنك مصر سابقاً، أن إطلاق “وان بنك” يمثل خطوة ضرورية لمواكبة التطورات المتسارعة في القطاع المالي العالمي، مؤكدةً حصول البنك الجديد على الموافقات بعد استيفاء معايير تنظيمية وفنية صارمة، تضمن امتلاكه للبنية التحتية التقنية والكفاءات البشرية اللازمة لتقديم خدمات رقمية عالية الكفاءة.
في السياق نفسه تتوقع “الدماطي” أن يفتح البنك المركزي المجال لاحقاً أمام مزيد من البنوك الرقمية، لكنه سيمنح الأولوية للمؤسسات ذات الخبرة والقدرات المالية والتكنولوجية، باعتبارها الأكثر قدرة على إنجاح التجربة.
كما أوضحت أن البنوك الرقمية مرشحة لتحقيق انتشار سريع في قطاعات مثل العقارات، والسياحة، والأدوية، حيث تعتمد هذه الأنشطة بشكل أساسي على التكنولوجيا وتحتاج إلى حلول مصرفية مرنة وسريعة.
البنوك التقليدية أمام اختبار المستقبل
رغم الطفرة التي تُمثلها البنوك الرقمية؛ يستبعد الخبراء اختفاء البنوك التقليدية في المدى القصير على الأقل، فالتعاملات المالية ما تزال تتطلب وقتاً لتغيير الثقافة المجتمعية وبناء الثقة في الحلول الرقمية.
لكن على المدى البعيد، ومع تزايد اعتماد الأجيال الجديدة على التطبيقات الذكية، يصبح من المرجح أن تتحول البنوك الرقمية في مصر إلى أحد الأعمدة الرئيسية للقطاع المصرفي، وربما تحل تدريجياً محل بعض الوظائف التقليدية.
بداية عصر مصرفي جديد
لا يقتصر إطلاق “وان بنك” كأول بنك رقمي في مصر على كونه مجرد مشروع مصرفي جديد، إذ يمثل نقلة نوعية في طريقة تفكير الدولة في إدارة النظام المالي، حيث يجمع بين تعزيز الشمول المالي، ودعم الاقتصاد الرقمي، وحماية البيانات بمعايير عالمية.
ومع التوجه الرسمي نحو رقمنة الاقتصاد، ووجود قاعدة شبابية واسعة تتبنى التكنولوجيا بسرعة، يبدو أن مصر تدخل بالفعل عصراً مصرفياً جديداً، سيكون للبنوك الرقمية فيه دور محوري في رسم ملامح المستقبل المالي.
المصادر: