التحول الرقمي في سوريا: تطوير قطاع الاتصالات بشراكات دولية
وفود رسمية إلى السعودية وتركيا لنقل خبرة التحول الرقمي

تتسارع وتيرة العمل لتسريع التحول الرقمي في سوريا، بالتوازي مع إعادة تأهيل البنية التحتية للاتصالات، عبر توسيع نطاق الشراكات الدولية، واستقطاب الخبرات العالمية، بهدف تأمين خدمات رقمية عالية الجودة للمواطنين، وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام، وإعادة سوريا إلى خارطة التكنولوجيا العالمية والابتكار بعد سنوات من العزلة.
ويبرز في هذا الإطار الاستثمار في قطاع الاتصالات كركيزة أساسية لضمان استدامة المشاريع الرقمية وتوسيع قاعدة المستفيدين منها.
ورغم التقدم المحقق، لا تزال هناك تحديات التحول الرقمي المتمثلة في الحاجة إلى تحديث الأنظمة، تدريب الكوادر، وتوفير بيئة تشريعية مرنة تدعم الابتكار، كما يحتل الأمن السيبراني في سوريا موقعاً محورياً في هذه المرحلة، كونه عامل حماية للبيانات والبنى التحتية الرقمية، وضماناً لثقة الأفراد والشركات في المنظومة الرقمية السورية.
في هذا السياق، شهدت الأيام العشرة الأخيرة نشاطاً حكومياً ودولياً مكثفاً ركّز على توظيف الخبرات التقنية الإقليمية والعالمية لإعادة إعمار قطاع الاتصالات في سوريا وفق أحدث المعايير الدولية، بما يكفل اختيار المشاريع الأكثر كفاءة واستدامة، ويؤسس لمرحلة جديدة من التطوير الرقمي في البلاد.
عودة نوكيا لسوق الاتصالات في سوريا
أعلنت وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات عن استئناف شركة نوكيا نشاطها في السوق السورية، وذلك خلال فعالية أقيمت في دمشق بعنوان “Amplify Syria” وتأتي هذه العودة في إطار الخطة الوطنية لتطوير قطاع الاتصالات وخدمات الإنترنت، وتعزيز الشراكات الدولية، ودعم الاستثمار في قطاع الاتصالات بما يواكب مسار التحول الرقمي في البلاد.
وفي بيان رسمي، وصفت الوزارة الحدث بأنه “محطة جديدة في مسار إعادة بناء قطاع الاتصالات والانفتاح على الشراكات الدولية”، مؤكدة التزامها بتوفير خدمات اتصالات وإنترنت موثوقة وعالية الجودة للمواطنين والمؤسسات في مختلف أنحاء البلاد.
وزير الاتصالات السوري عبد السلام هيكل أشار إلى أن الوزارة تعمل بشكل مكثف مع شركات التكنولوجيا العالمية لإعادة جذب الاستثمارات إلى سوريا، موضحاً أن عودة نوكيا تمثل خطوة نوعية ضمن استراتيجية الوزارة لاستقطاب أفضل المزودين والخبرات الدولية خدمةً للمواطن السوري.
من جانبه، عبّر “ميكو لافانتي” رئيس فرع نوكيا في الشرق الأوسط وأفريقيا لقطاع الشبكات الخليوية، عن سعادته بعودة الشركة إلى سوريا “بعد تاريخ طويل من العمل فيها”، واصفاً مشروعات مثل سيلك لينك وبرق نت بـ”الملهمة”.
وأكد “لافانتي” أن نوكيا تمتلك القدرات التقنية والفنية لدعم تطوير قطاع الاتصالات الخليوية بالتعاون مع الوزارة وشركائها من شركات الاتصالات، وهي ملتزمة بأن تكون حلولها جزءاً من نهضة سوريا الرقمية المقبلة.
شراكة لتقييم مشاريع البنية التحتية للاتصالات
في سياق متصل وقعت وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات السورية اتفاقية إطارية مع شركة آرثر دي ليتل “ADL” إحدى أعرق شركات الاستشارات العالمية، بهدف دعم تنفيذ مشروعات الاتصالات الكبرى في البلاد.
بموجب الاتفاقية، ستتولى “ADL” تقديم خدماتها الاستشارية لتقييم العروض المقدمة لمشروعي “سيلك لينك” و “برق نت”، اللذين استقطبا نحو 30 شركة، من بينها أبرز شركات الاتصالات الإقليمية.
كما ستسهم الشركة في تقديم رؤى استراتيجية لتطوير شبكات الخليوي المستقبلية في سوريا، بما يعزز البنية التحتية الرقمية ويحفز النمو الاقتصادي المستدام، ويؤسس لمرحلة متقدمة من التحول الرقمي في سوريا.
وأكد الوزير هيكل أن استقطاب خبرات عالمية مثل ADL يعكس التزام سوريا بتنفيذ مشروعات وطنية بمعايير دولية، ويعزز ثقة المستثمرين في السوق السورية.
من جهته، صرّح “توماس كوروفيلّا” الشريك الإداري في ADL لمنطقة الشرق الأوسط والهند أن التعاون مع الوزارة لا يهدف فقط إلى تلبية الاحتياجات الفورية، بل يسعى لتحقيق أثر طويل الأمد على مستوى المنطقة، وتسريع التحول الرقمي في سوريا.
وتأسست “ADL” عام 1886، وتعمل في أكثر من 40 دولة، وتُعد من أبرز الجهات الاستشارية في مجالي الاتصالات والتكنولوجيا.
وهي تمتلك خبرات نوعية ساعدت حكومات وشركات كبرى حول العالم في تصميم وتنفيذ استراتيجيات رقمية متقدمة، ما يجعلها شريكاً مثالياً في مرحلة إعادة بناء قطاع الاتصالات السوري.
زيارات لنقل خبرة التحول الرقمي والأمن السيبراني
أجرى وفدان من وزارة الاتصالات السورية زيارتين متوازيتين إلى السعودية وتركيا بهدف الإطلاع على خبرات البلدين والتجارب الرائدة في مجالات الاتصالات، الأمن السيبراني، والتحول الرقمي.
ترأس الوزير هيكل الوفد الرسمي إلى الرياض، حيث عقد سلسلة اجتماعات مع نظرائه السعوديين، وعلى رأسهم وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي عبد الله السواحة.
وتمحورت المباحثات حول استراتيجية الوزارة السورية التي ترتكز على: إطلاق تحول رقمي شامل على المستوى الوطني، رفع كفاءة المؤسسات العامة لتنفيذ هذا التحول، وبناء كوادر وطنية قادرة على قيادة المستقبل الرقمي في سوريا.
من جهته أعرب الجانب السعودي عن استعداد بلاده لتقديم الدعم الفني والخبرات اللازمة لمساندة سوريا في المرحلة المفصلية الحالية التي تمر بها.
وفي أنقرة، ناقش الوفد السوري برئاسة المدير العام للهيئة الوطنية السورية لتقانة المعلومات شحادة الابراهيم مع المسؤولين الأتراك سبل تعزيز التعاون في مجالات التحول الرقمي والأمن السيبراني في سوريا.
وشملت الزيارتان جولات ميدانية في عدد من المؤسسات التقنية المتخصصة للاطلاع على أحدث التقنيات والنماذج التشغيلية، واستكشاف فرص نقل الخبرات وتطبيقها في سوريا.
من بين المؤسسات: الحكومة الالكترونية التركية، شركة توركسات، والمركز الوطني التركي للأمن السيبراني، إلى جانب هيئة الحكومة الرقمية ومركز الابتكار في الرياض، وشركة الاتصالات السعودية STC.
تحديات أمام الانفتاح لتقوية قطاع الاتصالات
رغم الطابع الإيجابي لهذه المبادرات والشراكات ودورها المنتظر في التأسيس المتين لقطاع الاتصالات، لا تزال تتصدر المشهد بعض المخاطر المحتملة، أبرزها:
- مخاوف من فقدان استقلالية قطاع الاتصالات في حال الانفتاح الكامل على الخارج أو الاعتماد المفرط على الشركات الأجنبية.
- ضعف التشريعات الرقمية في ضبط المعايير وحماية السيادة التقنية.
- دمار واسع في البنية التحتية يتطلب استثمارات ضخمة في قطاع الاتصالات لإعادة التأهيل.
- استمرار بعض القيود والعقوبات الدولية التي تعرقل التعاون مع بعض الدول والشركات.
- عوامل بيروقراطية وفنية وسياسية في بعض الدول قد تؤخر تنفيذ المشاريع وتحدّ مشاركة شركات عالمية.
كل ذلك يستدعي بناء قدرات وطنية رقمية متينة تواكب الانفتاح الخارجي، وتضمن استدامة التطوير والتحول الرقمي في سوريا.
المصادر
الوكالة العربية السورية للأنباء سانا
وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات السورية