فضاءمقالات

من السيب و الدُّقم .. كيف تقود سلطنة عمان الابتكار الفضائي المحلي بشراكة دولية؟

مشروع " إطلاق" .. بنية تحتية ومرافق تشغيلية وتأسيس للكفاءات الوطنية في تخصصات الفضاء

في إطار الاستراتيجية الوطنية الداعمة للابتكار وريادة الأعمال، أطلقت وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات في سلطنة عُمان “برنامج مسرّعات الفضاء” من ولاية السيب شمال غرب البلاد، بهدف تمكين الشركات الناشئة العُمانية من تطوير حلول وخدمات فضائية مبتكرة.

ووفقاً للمسؤولين العمانيين يأتي البرنامج ليشكّل بيئة ريادية محفزة للاستثمار في التقنيات الحديثة، مقدّماً دعماً متكاملاً يشمل التدريب، التوجيه الفني، والربط بشبكات خبرة دولية، في خطوة استراتيجية نحو ترسيخ موقع السلطنة كمركز إقليمي للابتكار الفضائي.

تمكين وطني بشراكة دولية

يمتد برنامج مسرعات الفضاء لمدة عام ويُنفّذ بالتعاون بين شركة “العنقاء للفضاء والتكنولوجيا” وشركة “Exotopic” البريطانية المتخصصة في المسرّعات التقنية.

ويستهدف تأهيل 10 شركات محلية ناشئة في قطاع الفضاء من خلال:

  1. تطوير نماذج أولية وحلول تقنية قابلة للتطبيق التجاري.
  2. تعزيز المهارات الوطنية في مجالات الصناعات الفضائية.
  3. تحفيز تنافسي لنمو الشركات الناشئة.
  4. بناء شبكة دعم محلية ودولية لريادة الأعمال.

تتضمن المبادرة جوائز تحفيزية لأفضل ثلاث شركات، دعماً لنمو أنشطة مستدامة تخدم التوجه الاستراتيجي لقطاع الفضاء، مع التركيز على تطبيقات الاتصالات، مراقبة الأرض، التحليلات الجغرافية، الملاحة، الطائرات بدون طيار، الذكاء الاصطناعي، الحوسبة المتطورة، تخزين البيانات، وإنترنت الأشياء، إضافة إلى بيئات محاكاة المركبات الفضائية.

خطوة ضمن رؤية وطنية استراتيجية في مجال الفضاء

يشكل برنامج مسرعات الفضاء خطوة مهمة في إطار الرؤية الاستراتيجية العامة “عُمان 2040” التي تستهدف تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، إضافة إلى السياسات والبرامج ضمن قطاع الفضاء التي تمتد بين(2023-2033).

وتهدف الاستراتيجيات العمانية إلى بناء منظومة وطنية متكاملة لعلوم الفضاء من بنى تحتية وكوادر وطنية بشراكات دولية لتصبح عُمان البوابة الإقليمية لتطبيقات الفضاء.

ويتركز في عمق هذه الرؤية الموقع الجغرافي الذي تتمتع به السلطنة والذي يؤهلها لتأسيس منصات إطلاق فضائي متعددة تضاف إلى المنصة الحالية “إطلاق” الواقعة في ولاية الدُقم جنوب شرق البلاد.

وقد سلط تقرير لوكالة الأنباء العمانية الضوء على الموقع الذي تتمتع به سلطنة عُمان والذي يعد “مثالياً لإطلاق المركبات الفضائية” مبيناً أن “قرب السلطنة من خط الاستواء يجعل كمية الوقود التي تستهلكها المركبات الفضائية في انطلاقها نحو الفضاء الخارجي أقل كونها تسير في اتجاه حركة دوران الكرة الأرضية حول نفسها.

ولفت التقرير إلى أن “إطلالات مناطق الإطلاق الفضائي في سلطنة عُمان على المحيط الهندي، وبعدها عن المناطق المأهولة بالسكان، يجعلها تستقطب اهتمام شركات الفضاء الدولية الباحثة عن أماكن مثالية لإطلاق صواريخها الفضائية”.

ميناء “إطلاق” الفضائي ..منصة عُمانية لمستقبل الفضاء التجاري

تأسيساً على هذه الحقائق والاستراتيجيات تم إنشاء موقع ” إطلاق” وهو يقع جنوب ولاية الدقم على خط عرض 18 درجة، وهو يعد ركيزة أساسية في تنفيذ الاستراتيجية الفضائية الوطنية.

ويمنحه هذا الموقع ميزة استراتيجية فريدة تتيح تنفيذ عمليات إطلاق نحو مختلف المدارات الفضائية، بما فيها المدار الاستوائي، والمداري المتزامن مع الشمس، والمدار القطبي، والمدار الأرضي المتوسط، والمدار الثابت جغرافياً.

بنية تحتية عالمية ومرافق تشغيلية متكاملة

يؤكد الرئيس التنفيذي للشركة الوطنية للخدمات الفضائية السّيد عزان بن قيس آل سعيد أن الميناء يوفر بيئة متكاملة تشمل مرافق أرضية مخصصة لمشغّلي خدمات الإطلاق، إلى جانب دعم لوجستي متخصص، ما يتيح للشركات الدولية إطلاق مركباتها الفضائية من الأراضي العُمانية بثقة وكفاءة.

ويشير إلى أن الموقع يشكل عامل جذب حيوي في خارطة الفضاء العالمية، ويعزز مكانة السلطنة كمركز مستقبلي للأنشطة الفضائية التجارية.

المهمة الفضائية الأولى ” دُقم-1″ .. أول اختبار لقدرات عُمان

وكانت مهمة دُقم-1 أول تجربة لإطلاق فضائي علمي من الأراضي العُمانية، وتم إطلاقها في 4 كانون الأول ديسمبر 2024.
وبلغ طول الصاروخ 6.5 م، ووزنه مع الوقود 123 كغ، ووصل إلى ارتفاع 140 كيلومتراً بسرعة 1530 م/ث، واستغرقت الرحلة حوالي 15 دقيقة.

المهمة الفضائية الثانية “دُقم-2” .. قيد التنفيذ مع المركبة “كيا-1”

قبل أيام أعلن رئيس الشركة استعداد شركة “إطلاق” لتنفيذ المهمة الفضائية القادمة “دُقم-2″، وهي ثاني مهمة ضمن سلسلة مهمات “الدقم” التي تنفذها شركة “ستالر كنتكس” الدولية، باستخدام مركبة شبه مدارية مبتكرة تُدعى “كيا-1”.

وتتميز “كيا-1” بتقنية توجيه متقدمة وبنية ثنائية مكونة من مرحلتين، حيث تتولى المرحلة الأولى دفع الصاروخ للانطلاق، فيما تكمل المرحلة الثانية رحلته نحو الفضاء، ويبلغ طولها 12 متراً.

وكشفت شركة “ستالر كنتكس” أن المهمة تهدف إلى الوصول إلى ارتفاع 500 كيلومتر فوق سطح الأرض لاختبار تقنيات فصل المراحل والتوجيه الديناميكي، بالإضافة إلى تنفيذ تجارب علمية لحمولتين دوليتين على متن المركبة، في بيئة الجاذبية  الصغرى.

إلى جانب ذلك تتضمن المهمة تجربة القمر الصناعي المصغر “كيوبسات” من فريق طلابي بريطاني ضمن برنامج “جوبيتر”، لاختبار نشر القمر الصناعي والتقاط صور للأرض والفضاء.

كما يشارك فريق من الجامعة الوطنية المركزية في تايوان بتجربة كيوبسات أخرى مخصصة لقياس الضغط الهيكلي خلال الوقت الفعلي وجمع بيانات بيئية.

وكان من المقرر إطلاق الرحلة في 5 و6 تموز الجاري لكن تم تأجيلها إلى حين توفر الظروف المناسبة حسبما أفادت تقارير إعلامية.


“إطلاق” .. نحو التشغيل الكامل في 2027

وفقاً لمصادر رسمية، سيكتمل المخطط الرئيس لشركة “إطلاق” بحلول عام 2027، مدفوعاً ببرنامج تكوين الذي أُطلق عام 2024، والذي يتيح تنفيذ عمليات تجريبية خلال أربعة عشر أسبوعاً فقط من بدء التخطيط.

ويعد البرنامج منصة اختبار مبتكرة لتأهيل تقنيات إطلاق المركبات التجارية، ويُنفذ بالتعاون مع شركات تطوير المركبات شبه المدارية، التي تشهد نمواً متسارعاً في جاهزيتها التشغيلية.


توسّع تقني ومنصات إطلاق متعددة

ضمن مساعي توسع البرنامج، يجري إنشاء منصة ثانية مخصصة للإطلاقات التجريبية ومستودع لتجميع وتهيئة المركبات الفضائية، إلى جانب خطة تطوير الميناء ليصبح منشأة فضائية بمستوى عالمي تضم أربع منصات إطلاق تدعم جميع أنواع المركبات، من الصغيرة إلى الثقيلة القابلة لإعادة الاستخدام.

منظومة إطلاق آمنة ودقيقة

يشدد المسؤولون العمانيون على أن عمليات الإطلاق تخضع لتنسيق شامل يضمن أعلى مستويات السلامة، بدءاً من اختبارات سلامة المركبة، وتوافق المهمة مع الموقع، وتركيب أنظمة تتبع، وصولاً إلى تقييم دقيق للأحوال الجوية، وتأمين المجالين الجوي والبحري، وتنفيذ إجراءات بيئية صارمة، ضمن “نافذة إطلاق” مثالية تمتد عادةً أسبوعين في كل دورة.

تأهيل الكفاءات العُمانية في مجال الفضاء

لا تقتصر الجهود العمانية على هدف تأسيس البنى التحتية المادية، فهي تؤسس الكفاءات الوطنية ضمن التخصصات الفضائية الدقيقة بحيث تكون قادرة على قيادة مستقبل العمليات الفضائية، وهو ما يقوم به مشروع “إطلاق” لتعزيز مكانة سلطنة عُمان في قطاع الفضاء.

المصادر
Omannews
وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات العمانية
Makeen
Bayanelm
Shuoon

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى