العمل عن بُعد: كيف غير قواعد اللعبة في عالم الشركات؟

من منا كان يتخيل أن جائحة عالمية ستدفع بنا إلى إعادة تعريف مفهوم “المكتب”؟ قبل عام 2020، كان العمل عن بُعد يُعتبر خيارًا فاخرًا أو حلاً مؤقتًا. ولكن مع انتشار العمل عن بُعد بنسبة 40% حول العالم، أصبح واضحًا أن هذا النموذج الجديد للعمل ليس مجرد موضة عابرة، بل هو مستقبل العمل. لقد أظهرت الدراسات أن العمل عن بُعد يمكن أن يعزز الإنتاجية بنسبة 13%، ويقلل من التوتر، ويحسن التوازن بين العمل والحياة الشخصية.
في الواقع، كان العديد من الموظفين يشعرون بالقلق من فكرة “العمل من المنزل”، حيث كانوا يتخيلون أن الأمر سيجعلهم أكثر عزلة أو أقل إنتاجية. لكن مع مرور الوقت، بدأوا يلاحظون أن لديهم مزيدًا من السيطرة على حياتهم. الأبحاث تشير إلى أن 80% من الموظفين في شركات عالمية أفادوا أنهم أصبحوا أكثر إنتاجية في العمل عن بُعد مقارنة بالعمل التقليدي في المكاتب
فوائد العمل عن بُعد: عوالم جديدة من الفرص
للشركات: توظيف أفضل المواهب دون حدود جغرافية
لنأخذ مثالًا من الشركات الكبرى: الشركات التي كانت تعتمد على الموظفين المتواجدين في مدن معينة أو حتى في دول معينة، أصبحت الآن قادرة على التوسع بشكل أكبر. الشركات في أوروبا وأمريكا بدأت في توظيف موظفين من دول بعيدة جدًا، مما منحهم فرصة الوصول إلى كفاءات غير محدودة. ماذا يعني هذا بالنسبة للشركات؟ يعني أنها لم تعد مضطرة للبقاء محصورة في أسواق محدودة أو تعاني من نقص في الكفاءات في بعض المجالات.
المثير في الأمر أن هذا النموذج لا يقتصر على الشركات الكبيرة فقط. الشركات الصغيرة والمتوسطة استغلت هذه الفرصة لتقليل التكاليف التشغيلية، حيث لم تعد بحاجة إلى مساحات مكتبية ضخمة أو دفع فواتير الطاقة والإنترنت المرتفعة. هذا التحول يمكن أن يكون حلاً ممتازًا للشركات الناشئة التي تبحث عن طرق لتوفير المال وزيادة الإنتاجية في وقت واحد.
للموظفين: حياة أكثر توازنًا وراحة
أما بالنسبة للموظفين، فقد أحدث العمل عن بُعد ثورة في حياتهم اليومية. تخيل أنك تستيقظ من نومك وتبدأ يومك من داخل منزلك دون الحاجة إلى السفر لساعات في وسائل النقل العامة المزدحمة. لا مزيد من الازدحام، ولا المزيد من الانزعاج بسبب التنقل. هذا لا يعني فقط توفير الوقت، بل يعني أيضًا تقليل الإجهاد والضغط النفسي الذي كان يسببه التواجد في المكتب طوال اليوم.
التحديات المرتبطة بالعمل عن بُعد: هل هو خالي من العيوب؟
رغم الفوائد الكبيرة التي حققها العمل عن بُعد، فإنه لا يخلو من التحديات. أذكر أنك قد تظن أن العمل من المنزل سيساعدك على الحصول على مزيد من الراحة، لكن في بعض الأحيان قد تجد نفسك محاطًا بالكثير من المهام المنزلية التي تشتت انتباهك. وهذا قد يؤدي إلى إهدار الوقت في أمور غير متعلقة بالعمل.
التواصل والتنسيق هو من أكبر التحديات. في العمل التقليدي، كان هناك تواصل مباشر مع الزملاء في أي وقت، سواء عبر اجتماعات فورية أو محادثات عابرة. لكن مع العمل عن بُعد، أصبحت الاجتماعات الافتراضية هي الوسيلة الأساسية. وفي بعض الأحيان، هذا النوع من التواصل لا يعوض التجربة الواقعية التي تجمع الأفراد معًا. تخيل أنك تحتاج إلى مناقشة فكرة مع فريقك، ولكن لسوء الحظ، يتقطع الاتصال في منتصف الجلسة، أو يتأخر بعض الأشخاص في الرد بسبب اختلاف المناطق الزمنية.
الإرهاق الوظيفي: المفارقة الغريبة أن العمل من المنزل قد يزيد من ساعات العمل. في البداية كنت يُعتقد أنه سيكون من السهل تحديد ساعات العمل، لكن مع مرور الوقت، لوحظ أن العمل يستغرق ساعات أطول من المعتاد، نظرًا لعدم وجود فواصل واضحة بين العمل والحياة الشخصية.
التكنولوجيا ودورها في تسهيل العمل عن بُعد
لم يكن العمل عن بُعد ليكون ممكنًا دون التكنولوجيا الحديثة. أدوات التعاون مثل Zoom وSlack أصبحت جزءًا أساسيًا من يومنا. تطبيق Zoom، على سبيل المثال، يتيح لك أن تجتمع مع فريقك وتناقش مواضيع العمل وكأنك في نفس الغرفة.
أما Trello فهو منصة تنظيمية تساعدك في متابعة مهامك وتنسيق العمل مع فريقك. بفضل هذه الأدوات، أصبح من السهل تنظيم العمل وتوزيعه، وهذا ما جعل العمل عن بُعد أكثر فعالية.
لكن لا ننسى الأمن السيبراني. مع زيادة الاعتماد على الإنترنت في العمل عن بُعد، زادت التهديدات الأمنية. لذلك، كانت الشركات بحاجة إلى تطوير حلول تقنية لحماية البيانات وضمان أمان المعلومات الخاصة بها.
مستقبل العمل عن بُعد: أين نذهب من هنا؟
العمل الهجين هو ما يتوقع أن يكون النموذج السائد في المستقبل. من خلال هذا النموذج، يمكن للموظفين العمل من المنزل معظم الوقت، مع تخصيص أيام محددة للعمل في المكتب إذا دعت الحاجة. هذا يوفر المرونة ويعزز الإنتاجية دون المساس بروح الفريق.
أما بالنسبة لتقنيات المستقبل، الواقع الافتراضي والميتافيرس قد يحملان لنا تجربة جديدة تمامًا للعمل عن بُعد. تخيل أنك تجلس مع فريقك في مكتب افتراضي ثلاثي الأبعاد، حيث يمكنك التفاعل مع زملائك بشكل يشبه الحقيقة.
المصادر: